أقام راعي أبرشية صور للروم الملكيين الكاثوليك المتروبوليت جورج إسكندر، قداسا وجنازا لراحة نفس الجندي الإيرلندي شون روني الذي قضى في حادثة العاقيبة، في كنيسة القديس جاورجيوس – تبنين.
ترأس القداس المتروبوليت إسكندر وعاونه كاهن الرعية الأب ماريوس خيرالله ومرشد الكتيبة الإيرلندية الأب ديكلان شانون في حضور القائد العام لليونيفيل اللواء أرالدو لازارو، رئيس أركان اليونيفيل الجنرال الفرنسي برونو هيلوي، قائد القطاع الغربي لليونيفيل اللواء الإيطالي جوزيبي برتونشللو، نائب قائد القطاع الغربي العقيد الإيرلندي أوين ماكنيللي، قائد الكتيبة الإيرلندية في اليونيفيل العقيد داميان مورفي، قائد الكتيبة الماليزية العقيد ماتيو وضباط وجنود في اليونيفيل وأبناء الرعية.
بعد قراءة الإنجيل المقدس، ألقى المتروبوليت إسكندر عظة قال فيها: “طوبى لفاعلي السلام فإنهم أبناء الله يدعون”. هذا الكلام جاء على لسان السيد المسيح في موعظته على الجبل، هو خلاصة كل التعاليم التي أرادها يسوع في رسالته على الأرض. والسلام لا يكون بالكلام والمجاملات بل هو صناعة بامتياز تتطلب وجود قادة يتمتعون بالمهارة والكفاءة وحسن النية من أجل تأهيل وتدريب الشعوب على هذه الحالة الجديدة. وإذا كان إنتاج الصناعات يتم عادة في المصانع والمعامل إلا أن هذه الصناعة النادرة يتم إنتاجها داخل النفوس بالسيطرة على الغرائز وردات الفعل والظروف الخارجية التي تقود إلى فعل الشر. إنها صناعة صعبة تنطلق من داخل الإنسان لتطال العائلة والمدرسة والمجتمع على مستوى المناهج والأساليب ومن خلال القرارات الحكومية والأممية التي تتوخى السلم ونشر العدالة. وحيث يكون العدل يحل السلام وحيث الطمع والنزاع هناك القلق وكل أنواع الشر. الحكمة النازلة من فوق من لدن الرب هي وحدها طاهرة ومسالمة ومتسامحة تفيض بالرحمة والعدل والعمل الصالح”.
أضاف: “إن عالمنا اليوم مليء بالخصومات والنزاعات المتنوعة التي يشعل نارها قادة ومسؤولون من أجل تحقيق أهداف بشرية ومادية لا تنسجم مع رسالة السيد المسيح الذي تجسد ليقيم عهداً جديداً من المصالحة بيننا وبين الله بموته وآلامه على الصليب وقيامته في اليوم الثالث. فالمسيح هو نفسه السلام الذي لم يكن ممكناً قبل هذه المصالحة بين الله والإنسان. وإذا كان الكثير من الناس قد رفضوا هذه الدعوة وقامت بينهم الحروب والخصومات، فلأنهم لم يقبلوا هذا السلام في نفوسهم أولاً. والسلام الذي لا يدخل إلى القلوب وينزع عنها الكبرياء والطمع وحب الذات لا يمكن أن يعطي ثماره في أعمالنا وحياتنا اليومية، فالإنسان يعرف من ثماره وأعماله الطيبة.
نسمع اليوم الكثير من الدعوات في طلب السلام على مستوى الأفراد والدول، ولكنه بالحقيقة موجود معنا منذ اللحظة التي تجسد فيها الله بيننا. والعالم يحتاج إلى صانعي سلام يعملون بكلمة الله ويكونون أداةً في نزع العداوة والخصومات وزرع المصالحة بدل العنف، والمحبة بدل الأحقاد”.
وتابع: “من هذه الرؤية المسيحية إلى حقيقة السلام في عالمنا الحاضر ننظر إلى مهمة قوات اليونيفيل في جنوب لبنان. هذه القوات التي حضرت إلى بلادنا بسبب النزاعات الموجودة في منطقتنا وعلى حدودنا الجنوبية وقد جاءت أولاً بتوجيه من رب السلام ثم بموجب قرار من مجلس الأمن الذي يمثل الشرعية الدولية مهما اختلفت آراؤنا حول شرعية وعدالة هذه القرارات. لقد جاء هؤلاء الجنود من أوطانهم المتعددة ومن بين عائلاتهم وتركوا الأصدقاء والأحباء ليكونوا جنوداً في أداء مهمة دولية خدمةً لهذا السلام الذي يريده الله في الأرض وبين الأمم والشعوب. وإذا كان هؤلاء الجنود يدفعون الثمن من حياتهم في بعض الأحيان نتيجة أخطاء بشرية إلا أنهم يمثلون بأعمالهم وتضحياتهم رسالةً نبيلةً. وما ينتج عنها من استقرار وازدهار قد يكون الناس بحاجة إليهما أكثر من ممارسة العنف واعتماد سياسات لا يأتي من ورائها إلا القتل والخراب”.
وقال المتروبوليت اسكندر: “إن الحادثة الأليمة التي أودت بحياة الجندي الأيرلندي في الفترة الأخيرة مهما كانت أسبابها وتبريراتها وظروفها هي ضربة موجعة لهذه الرسالة التي تعمل من أجلها قوات اليونيفيل والتي هي أساس وجودها وعملها على الأراضي اللبنانية. ونحن أبناء الإيمان المسيحي الذي يدعو إلى نشر المحبة والسلام، لا يسعنا إلا الوقوف إلى جانب هذه الرسالة السلامية التي يريدها الله منا أولاً والتي يدعو إليها المجتمع الدولي ثانياً لخفض منسوب التوتر وتفادي الخسائر البشرية والمادية المتأتية عن الحروب والنزاعات. وعندما ننظر إلى أعمال اليونيفيل خارج مهامهم الأمنية نرى أنهم يقومون بمبادرات إيجابية تجاه أبناء القرى والمناطق التي يتواجدون فيها ولا يوفرون فرصةً من أجل التواصل والخدمة في المجالات الاجتماعية والتربوية والإنمائية”.
ولفت الى أن “أبناء الجنوب من الطوائف والاتجاهات كافةً يشعرون بفائدة هذه العلاقة الإنسانية التي تخلق أجواءً من التعاون والمودة بينهم وبين هذه القوات وهم يعتبرون أنفسهم البيئة الحاضنة والداعمة لها لأنها تعمل أولاً وأخيراً من أجل ترسيخ الهدوء والاستقرار والحياة الآمنة للمواطنين”.
وقال: “انطلاقاً من هذه الحاجة إلى الأمن والاستقرار في جنوب لبنان نتوخى من الحكومة اللبنانية بكل مكوناتها أن تقف وراء المصلحة الوطنية العليا باحترام القرارات الدولية ومنها القرار 1701 لتفويت الفرصة على العدو الإسرائيلي الذي يتربص بنا على الحدود من خلال الإشاعات الإعلامية الواهية التي تهدف إلى تشويه صورة لبنان وجيشه الوطني أمام المجتمع الدولي.
إننا نشعر بالأسى والحزن على خسارة هذا الشاب Seán الذي تطوع في صفوف اليونيفيل تاركاً وطنه إيرلندا وفيه عائلته وأصدقاؤه ليتواجد في أرض تبعد عن وطنه آلاف الكيلومترات وقد دفع حياته ثمناً لهذه الرسالة وهذا الالتزام.
وختم: “نحن اليوم- ومن منطلق إيماننا بضرورة أن نعيش السلام الذي أراده السيد المسيح وقد بذل نفسه على الصليب من أجله- لا يسعنا في هذه الصلاة المقدسة التي نقيمها لراحة نفس هذا الجندي إلا أن نتضامن جميعاً كلبنانيين مع مهمة قوات اليونيفيل وأن نتقدم بالتعزية القلبية إلى قيادتها وللشعب الأيرلندي الصديق وسائر الدول المشاركة فيها، كما نتقدم بالتعزية القلبية إلى عائلته ومحبيه وحكومة بلاده الذين خسروه في ظروف أليمة ودفعوا ثمناً غالياً في خدمة هذه الرسالة التي تهدف إلى زرع السلام والاستقرار في منطقة هي بأمس الحاجة إلى خفض التوتر وبناء حياة إنسانية كريمة.
وبالتالي نرفع صلاتنا اليوم مع المؤمنين الحاضرين معنا ومع قيادة اليونيفيل، لكي يتغمد الرب الاله نفس الجندي شون في الأخدار السماوية وأن يعزي قلوب قيادته وعائلته ومحبيه وأن يكون دمه الغالي قرباناً طاهراً أهرق على مذبح السلام ولم يذهب هدراً بنعمة الآب والابن والروح القدس الذي يعزي قلوبنا جميعاً، آمين”.
وفي نهاية القداس، كانت “صلاة النياحة” لراحة نفس الجندي روني، ثم توجه المتروبوليت اسكندر برفقة مفتي صور وجبل عامل الشيخ حسن العبدالله واللواء لازارو والحضورالى النصب التذكاري لشهداء الكتيبة الإيرلندية قرب الكنيسة حيث وضع قائد اليونيفيل وقائد الكتيبة الإيرلندية، والمتروبوليت إسكندر والمفتي عبدالله اكاليل من الزهرعلى النصب تخليدا لذكرى الجندي شون ولضحايا الكتيبة الايرلندية ثم عزفت موسيقى الموتى والنشيد الوطني الإيرلندي.
بعدها انتقل الحاضرون الى صالون كنيسة الرعية حيث ألقى المفتي حسن عبدالله كلمة شكر فيها المتروبوليت اسكندر على دعوته ومشاركته في الاحتفال منوهًا بـ”الرؤية الايمانية المشتركة بين المسيحيين والمسلمين في الجنوب ولبنان”. وشكر للمتروبوليت الصلاة التي أقامها لأرواح الشهداء الذين سقطوا من اجل لبنان وجنوبه. وقال: “كل جندي من قوات اليونيفل سقط على ارض الجنوب هو شهيد لبنان والجنوب”.
وأردف: “إن قوات اليونيفل تشكل نسيجًا اجتماعيًا لبنانيًا، وشهداؤها فخر وعز للبنان لأنهم شهداء السلام”.
وختم المفتي عبد الله بتعزية القيادة الدولية والإيرلندية لليونيفيل وعائلة الجندي الشهيد.
بدوره، شكر قائد اليونيفيل اللواء لازارو وكبار ضباط اليونيفيل المتروبوليت جورج إسكندر ورعية القديس جاورجيوس- تبنين على اقامة القداس الاحتفالي وعلى حفاوة الإستقبال، مؤكدا “التعاون والتنسيق بين اليونيفيل وشريكنا الاستراتيجي الاساسي الجيش اللبناني”. وامل “ان يعم السلام في هذا البلد الجميل لبنان ويسوده الاستقرار والازدهار”.