Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

الراعي في رسالة الميلاد: إذا كنا دعونا ونصر إلى مؤتمر برعاية الأمم المتحدة خاص بلبنان فلكي نحيده عن أي مواجهة عسكرية ويبقى الوضع مضبوطا

وجه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رسالة الميلاد، بعنوان: “والرجاء الصالح لبني البشر” من كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، بمشاركة لفيف من المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والراهبات من مختلف الطوائف الكاثوليكية، في حضور وفد المجلس العام الماروني برئاسة رئيس المجلس ميشال متى، نقيب الصيادلة الدكتور جو سلوم، قنصل جمهورية موريتانيا ايلي نصار، وفد من “فرسان كولومبوس”برئاسة الدكتور رامي شدياق، وحشد من المؤمنين.

بعد الصلاة المشتركة، القت الرئيسة العامة لراهبات العائلة المقدسة المارونيات الأم ماري انطوانيت سعادة كلمة تهنئة بالميلاد باسم مكتب الرؤساء العامين والرئيسات العامات، وقالت: “عائلاتنا ليست بخير افتقرت وما زالت تفتقر وتعاني، ورسالاتنا وخاصة مؤسساتنا الاستشفائية والتربوية، إضافة الى ان شبابنا مستقبلهم ضبابي ينتظرون جوازات السفر وفرص رحيلهم عن الوطن، ولكن رغم كل ذلك ما زلنا قادرين على الاستمرار والوقوف بفضل المساعدات من اهلنا واخوتنا في العالم والمنظمات والجمعيات الداعمة التي تشعر معنا وتساندنا منذ بداية الازمة حتى الآن”.

وسألت: “ماذا لو توقفت هذه المساعدات فما هي خطتنا للاستمرار؟ وما هي إستراتيجيتنا لضمان عيش كريم لشعبنا؟ والاهم كيف نجنب انفسنا وشعبنا الذي اعتاد العيش بكرامة من الانزلاق للتسول ومد اليد”.

وختمت: “لا نريد ان تعود علينا هذه الاعياد في السنة المقبلة على الحال التي نحن عليها اليوم ولا نريد ان نتعود ونتأقلم مع حالنا الحاضرة على امل غد افضل”.

 

الراعي

ثم وجه الراعي رسالة الميلاد، قال فيها: “بميلاد إبن الله إنسانا في مذود بيت لحم، أشرق على العالم فرح الرجاء، مبددا ظلمة اليأس والقلق لدى الضعفاء، وظلمة الكبرياء والإستضعاف والظلم والإستبداد لدى الأقوياء، وظلمة الخطيئة والشر لدى المستكبرين على الله. هذا الرجاء أعلنه ملائكة السماء ساعة ميلاد فادي الإنسان ومخلص العالم، إذ أنشدوا “المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر” (لو 2: 14). يسعدنا جدا أن نحتفل معا ككل سنة بعيد الميلاد المجيد في هذا الكرسي البطريركي من خلال إحتفال روحي ينظمه الرؤساء العامون والإقليميون والرئيسات العامات والإقليميات لجميع الرهبانيات والجمعيات الشاهدة والعاملة على أرض لبنان. ويطيب لي أن أشكركم على هذه المبادرة المحبة، وعلى كلمة المعايدة التي ألقتها باسمكم حضرة الأخت ماري أنطوانيت سعادة، الرئيسة العامة لجمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات. ويسعدني من جهتي أن أعرب لكم، باسم مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان والأسرة البطريركية، وإخواني السادة المطارنة والكهنة والمؤمنين القريبين والبعيدين، عن أخلص التهاني والتمنيات بالأعياد الميلادية والعام الجديد 2023. هذه التهاني والتمنيات نتوجه بها معكم إلى أبناء كنائسنا، إكليروسا وعلمانيين، في النطاق البطريركي وبلدان الإنتشار”.

وتابع: “الرجاء الذي أنشده الملائكة ليلة ميلاد المخلص، المسيح الرب، هو حاجة شعبنا ووطننا في لبنان، وأوطاننا في هذا الشرق، وفي عالم الإنتشار. فشعبنا يعيش المضايق من كل نوع، مادية ومعنوية وروحية: جوع وفقر وحرمان، مضايقات وابتزاز واضطهاد؛ حزن وقلق وإهمال؛ إستضعاف وإقصاء كنفايات؛ فقدان الثقة والنقمة على المسؤولين السياسيين ولا سيما أولئك الذين سلبوا أموالهم وجنى عمرهم، ورموا المسؤولية على غيرهم، والذين يحرمون دولتنا من رئيس من أجل مآرب شخصية وطائفية وخارجية. كل هذا وسواه مما يعرفه الله بكامل تفاصيله، يدعونا إلى الصمود بالرجاء. فالمسيح هو رجاؤنا الذي لا يخيب. وبهذه الصفة هو محور وجودنا وحياتنا. ويشكل جوهر صلواتنا وليتورجياتنا. فكم نكرر على سبيل المثل هذه الصلاة: “المجد لمراحمك أيها المسيح ملكنا، يا ابن الله الذي يسجد له كل مخلوق. فأنت ملكنا، وأنت إلهنا، وأنت علة حياتنا، وأنت رجاؤنا العظيم!” بقوة هذا الرجاء تقدس القديسون والطوباويون والأبرار، واستشهد الشهداء. وعلى هذا الرجاء رقد المؤمنون. وفي المناسبة نذكر الطوباويين الشهداء المسابكيين الثلاثة الذين تفضل قداسة البابا فرنسيس الأسبوع الماضي وقبل إلتماس سينودس كنيستنا المقدس بإعلانهم قديسين على مذابح الكنيسة الجامعة. الرجاء هبة من الله مع الإيمان والمحبة. تدعى هذه الثلاثة “فضائل إلهية”. لكن الرجاء، على ما يقول الكاتب الفرنسي شارل بيغي، هو الهبة الأحب على قلب الله، لأنه الرابط بين الهبتين الأخريين: فالرجاء هو الثبات في الإيمان، ويستمد ثباته من محبة الله. بهذا المعنى قال القديس أغسطينوس: “من يؤمن يرجو، ومن يرجو، يحب”. فلا بد من التمييز بين الرجاء والآمال البشرية. فالرجاء يتناول كل ما له علاقة بحياة الإيمان على كل المستويات، ولا سيما الروحية منها. فمن يضع رجاءه في الله، وفي كل ما يقوله الله ويرشد إليه، وإن بدا عصيا على الفهم، يبقى ثابتا ولو خضع لامتحان قاس، لأن الإمتحان يؤدي إلى الثبات والتمسك بمواعيد الله. وهذا ما تجلى في موقف الشهداء الذين آثروا الموت على الكفر بالمسيح، معتبرين أن الموت مدخل إلى الحياة، بينما الكفر بالمسيح يبعدهم عنه إلى الأبد. ولقد عبر القديس بولس الرسول أفضل تعبير عن نوعية هذا الرجاء عندما قال: “نفخر بالرجاء لمجد الله. وعدا ذلك فإننا نفخر بشدائدنا لعلمنا أن الشدة تلد الصبر، والصبر يلد الاختبار، والإختبار يلد الرجاء، والرجاء لا يخيب صاحبه، لأن محبة الله أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وهب لنا” (رو 5/ 2-5).

وأضاف: “أما الآمال البشرية فهي تنطلق من فكر الإنسان وحساباته والمشاريع التي يخطط لها. ويمكن لهذه الآمال أن تتحقق، إذا توفرت لها الظروف الملائمة، كما يمكن أن تفشل لأسباب مرتبطة بالإنسان نفسه أو خارجة عن إرادته. في حال النجاح، يسعد الإنسان ويطمئن ويخطط لمستقبل أفضل، غير عابئ بما يخبئ له هذا المستقبل الذي لا يستطيع التحكم به. أما في حال الفشل، فييأس الإنسان ويختبر الخيبة. وإذا ما تكرر الفشل وتحكم اليأس بصاحبه، فقد يؤدي به إلى القعود عن العمل وإلى التقهقر والانتحار. (المجمع البطريركي الماروني: كنيسة الرجاء، ص 22). ولئن خيب السياسيون آمال الشعب، فإن مخلص العالم، يسوع المسيح، في ذكرى ميلاده، يثبتنا ويثبت شعبنا على صخرة الرجاء بأنه قادر على أن يخرجه من مآسيه ساعة يشاء وكيفما يشاء. إنه في البداية يسائل ضمائر المسؤولين السياسيين عن موقفهم من عذابات الشعب؟ يرتفع سعر الدولار ولا أحد منهم يتحرك! تهبط الليرة اللبنانية ولا يرف جفن مسؤول! يستخفون بأصحاب الودائع ويعدونهم بإعادة أموالهم فيما قرارات الدولة تناقض هذه الوعود. الشعب يتسول الخبز والغذاء والدواء والكهرباء والمياه والغاز والمحروقات وفرص العمل والأجور والتعويضات، وهم غير معنيين! التحقيق في تفجير مرفأ بيروت ينتظر القضاء، والقضاء ينتظر نهاية المناكدات السياسية والمذهبية! حصلت جريمة سياسية في بلدة العاقبية الجنوبية واغتيل جندي إيرلندي من قوات حفظ السلام، وكأنه حدث عابر! في سجون لبنان مسجونون من كل الطوائف من دون محاكمة، وفي المحاكم دعاوى مكدسة منذ سنين، والقضاء في حالة إضراب، والمسؤولون السياسيون غير معنيين”.

وقال: “هذا، ومن المؤسف حقا أن كل المعطيات السياسية تؤكد وجود مخطط ضد لبنان، لإحداث شغور رئاسي معطوف على فراغ دستوري يعقد أكثر فأكثر انتخاب رئيس للجمهورية. ألم تمنع فئات سياسية تأليف حكومة قبل انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون رغم علمها أن الحكومة القائمة مستقيلة حكما وتصرف الأعمال، وأنها ستخلق إشكاليات في تحديد دورها؟ ومن ثم صار تعطيل متعمد لانتخاب رئيس للجمهورية ليصبح لبنان من دون أي سلطة شرعية. نسأل المعنيين بهذا المخطط: ماذا تريدون؟ لماذا تنتقمون من لبنان؟ لماذا تهدمون دولة لبنان؟ مهما دارت الظروف لا أولوية سوى انتخاب رئيس. لا توجد دولة في العالم من دون رئيس حتى في غياهب الكرة الأرضية. إن الذين يمنعون إنتخاب رئيس لكل لبنان، يمنعون قيامة لبنان. أما البطريركية المارونية فمصممة على مواصلة نضالها ومساعيها في لبنان ولدى المجتمعين العربي والدولي من أجل تسريع الاستحقاق الرئاسي. لكن الصراع الإقليمي يعيق هذه المساعي لأن هناك من يريد رئيسا له لا للبنان ويريد رئيسا لمشروعه لا للمشروع اللبناني التاريخي. وهذا أمر لن ندعه يحصل فلبنان ليس ملك فريق دون آخر. يعيش اللبنانيون اليوم أزمة تفوق سائر الأزمات والحروب السابقة. وإذا كانت الأزمات السابقة وجدت لها حلولا وتسويات بينما الأزمة الحالية لا تزال عصية على الحلول والتسويات الوطنية، وحتى عصية على الحوارات الداخلية، فيعني أنها أزمة مختلفة بجوهرها وغاياتها عن جميع الأزمات السابقة. هذه أزمة من خارج الكيان والنظام والشرعية. والمشكلة أن الذين يرفضون نظام لبنان وهويته وخصوصيته، لم يقدموا أي مشروع دستوري يكشف عما يريدون. والتسريبات المتناقلة عن مشروعهم لا تناسب أي مكون لبناني سوى أصحاب المصالح الخاصة، وليست بالتأكيد أفضل من لبنان القائم. حتى الآن لم يقدم أي طرف لبناني فكرة وطنية أو حضارية أفضل من الفكرة اللبنانية. وإذا كنا دعونا – ونصر- إلى مؤتمر برعاية الأمم المتحدة والدول الصديقة خاص بلبنان، فلكي نحيد لبنان عن أي مواجهة عسكرية ويبقى الوضع مضبوطا في هذه المرحلة الإقليمية المجهولة المصير. ونقول ايضا إن الدعوة من جهتنا الى هذا المؤتمر تأتي لاننا يئسنا من السياسيين”.

وأردف: “إن السياسيين اللبنانيين لا يقدرون إنجاز قيام دولة لبنان الكبير. جميع أقليات الشرق الأوسط وإثنياته من أرمينيا إلى سوريا حاولت الحصول على دول أو دويلات لها بعد الحرب العالمية الأولى، لكنها أخفقت في مسعاها رغم كفاحها في المؤتمرات الدولية. وحدها البطريركية المارونية مع الجماعات اللبنانية المؤمنة بلبنان نجحت في انتزاع دولة لبنان الكبير التي كان يتصارع عليها الشرق والغرب. ولنعد الى التاريخ معلم الحياة، لذا، حري بكل لبناني أن يقدر هذا الإنجاز الاستثنائي العظيم، خصوصا أننا حرصنا على أن يكون لبنان هذا ملتقى مكونات متعددة الأديان والحضارات ليكون رسالة. فلبنان ليس بلد الأقليات أو الأكثريات، بل هو وطن كل جماعة تبحث عن قيم الروح وعن نمط حياة حضاري وثقافي وعصري. لكن لبنان الرسالة يحتاج رسلا. فأين الرسل اليوم؟ صحيح أن ما من مكون لبناني إلا وضحى من موقعه في سبيل لبنان ودفع دما ثمن السيادة اللبنانية. ولكن هذه التضحيات لم تجمعنا ولم توحدنا كفاية لأن توظيف بعضها جاء خارج الدولة والولاء لها. فلذلك، قبل أن تتصالح الأطراف اللبنانية المتنازعة في ما بينها، جدير بها أن تتصالح مع الوطن أولا، لأننا في الحقيقة لسنا على خلاف مباشر مع أحد، بل نحن على تباين مع أطراف هي في نزاع مع الوطن. ومتى تصالحت هذه الأطراف مع الوطن يلتقي الجميع ويتوحد لبنان على الفور. فإنشاء لبنان قام على مفهوم التعايش لا على مفهوم الانتصار والهزيمة بين مكوناته. وإذا كان من انتصار ينتظرنا فهو الانتصار على ذواتنا، فنزيل منها الكراهية والأحقاد ونزعة الهيمنة على بعضنا البعض، فنستعيد رونق لبنان ونحيا في ظل الحرية والأمن والكرامة. ومن يتوهم داخليا أو خارجيا أنه يستطيع أن يتصرف انطلاقا من معادلة الانتصار والهزيمة يخطئ التقدير وهو مهزوم سلفا. فكلما اشتدت التحديات زاد الصمود في وجه المخططات وصولا إلى إنقاذ لبنان وتثبيت وجوده. ولن نغير عاداتنا، من اجل كل لبنان وكل اللبنانيين.

يجوز لكل مواطن أو جماعة أن يعمل على تطوير الدولة والمجتمع ووضعهما على سكة الازدهار والتقدم. أما أن يعيد النظر في إيمانه وولائه وانتمائه إلى الوطن الذي يحمل هويته، فليس كذلك تبقى الأوطان وتتطور نحو الأمام. ثلاثة تلقوا خبر ميلاد المسيح المخلص والملك الجديد: الرعاة وعلماء الفلك وهيرودس الملك.

رعاة بيت لحم تلقوه من فم الملاك، فآمنوا وجاؤوا مسرعين في ظلمة الليل إلى المذود حاملين هداياهم: الحليب للطفل، والحمل ليوسف، وكلمة البشرى لمريم (مار أفرام). وعلماء الفلك-المجوس قرأوا الخبر في حركة النجوم، فآمنوا وأسرعوا إلى المكان من بلادهم البعيد في المشرق على هدي النجم، حاملين هم أيضا هداياهم النبوية: الذهب للملك، والبخور للكاهن، والمر للفادي. وهيرودس الملك بلغه الخبر من المجوس وتأكد من مكان الحدث من علماء الكتب المقدسة، فخاف على كرسي ملكه، وامتلأ قلبه حسدا وحقدا، فأرسل جنوده وأمر بقتل جميع أطفال بيت لحم من إبن سنتين فما دون، لعل يكون بينهم الطفل “ملك الهيود” (راجع متى 2). الرعاة والمجوس هم جماعة الرجاء وانتظار تجليات الله، أما هيرودس الملك فيمثل جماعة الممتلئين من ذواتهم، الغارقين في مصالحهم، المنتزعين الله وكلامه وإيحاءاته وعلاماته من قلوبهم وعقولهم وأفكارهم”.

وختم الراعي: “ولد المسيح فقيرا في مذود حقير، لكي نراه ونخدمه ونعبر له عن حبنا في الفقراء و”إخوة المسيح الصغار”: الجياع والعطاش والعراة والغرباء والمرضى والسجناء” (راجع متى 25: 35-40) ماديا وروحيا ومعنويا. نجد المثال في رعاة بيت لحم ومجوس المشرق. وهذا ما أنتم ونحن فاعلون تجاه إخوتنا وأخواتنا في حاجاتهم في الرهبانيات والأبرشيات والرعايا والمؤسسات، وما نحن كلنا مدعوون لمضاعفته من خدمة للمحبة. أما هيرودس فمتمثل اليوم في المسؤولين السياسيين والنافذين الممعنين في قتل شعبنا بإفقاره وحرمانه وتشريده، وبتعطيل إنتخاب رئيس للجمهورية، وتفكيك المؤسسات الدستورية، والحؤول دون تصويب الإدارة وحوكمتها، وإحياء النهوض الإقتصادي وإجراء الإصلاحات ولجم الدولار. لكن رجاءنا بالمسيح، سيد العالم، لا يخيب ولا يتزعزع.

ولد المسيح، هللويا”.

بعدها تقبل الراعي التهاني بالعيد من المشاركين.