(النهار)
بدا المشهد الداخلي في مطلع الأسبوع الحالي موزعا بين واقعين شديدي التناقض. على المحور السياسي يمكن القول ان شللاً غير مسبوق أصاب مسار تأليف الحكومة الجديدة بات يخشى معه واقعيا ان تكون ثمة خطة مدبرة فعلا تستغل التطورات الأخيرة، ولا سيما منها العقوبات الأميركية والتشدد الأميركي الفرنسي في فرض معايير صارمة لقيام حكومة ذات مواصفات إصلاحية، في مزيد من رمي الألغام في طريق رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. اما على المحور الصحي الاجتماعي المتصل بالتعبئة العامة والاقفال الثاني للبلاد، فان ما طبع اليوم الثالث من الاقفال مشهد استنفار واسع لحكومة تصريف الاعمال سعت من خلاله الى مواكبة التعبئة والاقفال باجراءات مركزة على الواقع الاستشفائي لدعم صمود المستشفيات الحكومية والخاصة وإعادة ضخ الأموال التي تعود اليها لجعلها تستعيد قدراتها على مكافحة الانتشار الوبائي.
وبدا للأوساط المعنية برصد المسار السياسي لتأليف الحكومة ان الشلل الذي يطبع هذا المسار والذي تعكسه حال اشبه ما تكون بالقطيعة السياسية الشاملة مع انعدام بروز أي تحركات داخلية يهدد بتحويل تعقيدات تأليف الحكومة في حال عدم حصول تطورات سريعة تنهي هذا الشلل الى متاريس سياسية تقف وراءها القوى السياسية. ولذا لم تستبعد هذه الأوساط ان يقوم الرئيس الحريري في قابل الساعات او الأيام القليلة المقبلة بطرح مسودة لتشكيلة حكومية تتلاءم وما يراه ضروريا لجعل هذه المسودة تظهر الطبعة الإصلاحية والانقاذية الملحة للحكومة التي يترقبها اللبنانيون والمجتمع الدولي.
ومع ان أي معلومات مثبتة من بيت الوسط لم تؤكد هذا الاتجاه او سواه بعد، حيال ما يزمع الرئيس الحريري القيام به، فان الأوساط المعنية نفسها تتحدث عن أيام لا بد من ان تشهد نقلة حتمية لاعادة تعويم المشاورات في التفاصيل والدقائق المتعلقة بتشكيل الحكومة، حتى ولو كانت الاجتماعات التي عقدت بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس الحريري انتهت من حيث توقفت في آخر اجتماع في الأسبوع الماضي للعودة الى مربع البدايات. وتشير هذه الأوساط الى انه قد يتعين على الحريري، امام المعطيات التي تركتها زيارة الموفد الفرنسي لجهة الخشية من ارجاء مؤتمر مجموعة الدعم الدولية للبنان الذي كانت باريس تعد لانعقاده في الشهر المقبل لحشد دعم مالي واقتصادي للبنان بعد مؤتمر الدعم الإنساني الذي سيعقد في نهاية الشهر الحالي، ان يضع جميع المسؤولين والقوى امام مسؤولية تسهيل مهمته لتشكيل الحكومة التي تشكل شرطا لمؤتمرات الدعم، طبعا من دون ان يعني ذلك ان عدم تسهيل هذه المهمة ستحمل الحريري على التراجع، علما ان الرئيس المكلف ليس في وارد الاعتذار و”لن يمشي”. وتلفت الأوساط نفسها في هذا السياق الى انه ما دام الموفد الفرنسي الرئاسي باتريك دوريل خلال زيارته لبيروت توغل في بعض جوانب محادثاته مع مسؤولين وقادة سياسيين الى تفاصيل تشكيل الحكومة، فلا يمكن تبرير الشلل الغريب الذي أصاب المسار الحكومي داخليا بعد زيارته، بل ان الدفع الخارجي والدولي الذي اشتد أخيرا للضغط على الافرقاء اللبنانيين لتسهيل تشكيل الحكومة، يفترض ان يترجم بسرعة والا تكون البلاد امام انسداد هو الأسوأ اطلاقا منذ اكثر من سنة من شأنه ان يبقي الى غير افق محدد الازمات مشرعة تحت إدارة محدودة وضيقة لحكومة تصريف اعمال.
بين بومبيو ولودريان
في أي حال لم يغب الملف اللبناني كما كان متوقعا عن المحادثات التي اجراها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو امس في باريس. وأفادت وزارة الخارجية الأميركية في هذا السياق ان لقاء بومبيو ونظيره الفرنسي جان ايف لودريان تطرق الى “الحاجة لمواجهة التطرف العنفي والتأثير الخبيث لحزب الله في لبنان وجهود الولايات المتحدة لإقامة حكومة مستقرة تركز على الإصلاحات في لبنان”.
وكان مستشار الامن القومي الأميركي روبرت أوبراين حرص امس على ابراز ما قام به الرئيس الأميركي دونالد ترامب من “اعمال غير مسبوقة ضد حزب الله”. وقال ان “حزب الله قام بتجميع أسلحة وصواريخ ونفذ هجمات في أوروبا وآسيا وهو يفتقر الآن الى مئات الملايين من الدولارات التي كان يتلقاها من ايران”.
مع ذلك اتسم اجتماع وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال شربل وهبة بالسفيرة الأميركية دوروثي شيا امس بأجواء إيجابية كما حرصت الوزارة على أشاعتها. وأفادت ان اللقاء تناول العلاقات الثنائية وتعزيزها ودعم وتأييد اميركا للبنان في مجالات عدة بالإضافة الى مسألة ترسيم الحدود البحرية. كما تناول البحث الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأميركية في حق بعض اللبنانيين ومن بينهم نواب ووزراء سابقين ورئيس كتلة نيابية وازنة “وتمنى الوزير على السفيرة ان تتمكن السلطات اللبنانية والقضائية من الوصول الى أي معلومات ومستندات ارتكزت عليها الإدارة الأميركية في اتخاذها لتلك الإجراءات”.
في السراي
في غضون ذلك لوحظ ان حكومة تصريف الاعمال قامت بما يشبه التفعيل الملحوظ لعملها في موضوع التعبئة لمواجهة الانتشار الوبائي لفيروس كورونا وواكبت إجراءات التعبئة في يومها الثالث امس بورشة ناشطة في السراي الحكومي. وترأس رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب ثلاثة اجتماعات موسعة متعاقبة خصصت لتعزيز واقع المستشفيات الحكومية والخاصة وتوفير التمويل اللازم لها لتحصينها وإعادة تعزيز قدراتها في مواجهة الانتشار الوبائي. وعقد في الإطار اجتماع للجنة الوزارية المكلفة متابعة وباء كورونا ومن ثم اجتماع مع ممثلي البنك الدولي للبحث في قرض مخصص للشؤون الصحية ثم اجتماع للبحث في أوضاع المستشفيات. واكد وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني ان الوزارة ستبدأ هذا الأسبوع تحويل مستحقات المستشفيات فيما أوضح وزير الصحة حمد حسن ان هذه الاجتماعات تناولت تسهيل دفع مستحقات المستشفيات وان وزارة الصحة جاهزة لتحويلها الى وزارة المال عن سنة 2020 وتبلغ قيمتها 235 مليار ليرة.