كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: مُدركون مسبقاً انّ التوافق في هذه الظروف مستحيل وان التسوية الرئاسية لا تزال في القمم، دخل 110 نواب قاعة المجلس لتأدية الدور نفسه في مسرحية جلسات انتخاب الرئيس فسَبقهم الفشل ولحقت بهم المراوحة، وهو الواقع الذي سيستمر لأسابيع، وربما لأشهر، اذ لم تتحرك الماكينات جدياً، بحسب ما قالت مصادر نيابية رفيعة لـ»الجمهورية» متوقعة ان «يخلص العام بلا خلاص» لهذه الازمة. واختصرت المشهد بالقول: «مش فاتحة»…
تكرر المشهد المُمل في جلسة الانتخاب الرئاسية السابعة امس، اوراق بيض وبالعشرات ومثلها للمرشح ميشال معوض وبضع اصوات لمرشحين آخرين كان جديدهم بدري ضاهر الى أوراق ملغاة، وتطيير نصاب، ثم الى جلسة جديدة الخميس المقبل، فيما بَدا الجميع وكأنهم ينتظرون شيئاً من الخارج لم يحن أوانه بعد، وما عليهم إلّا امرار الوقت الضائع بمواقف وردود افعال الى ان تحين ساعة التوافق الذي يكون بالاكراه بالنسبة الى البعض، فيما جاء قبول المجلس الدستوري بطعنين أزاحا نائبين عن «سدة» النيابة يشكّل مفاجأة للبعض وارتياحاً لدى البعض الآخر في سياق لعبة الارقام التي تمارس على ضفاف الانتخاب الرئاسي الذي لم يبلغ الارقام التي توصِل الرئيس العتيد الى سدة رئاسة الجمهورسة. وقال مصدر نيابي بارز لـ»الجمهورية» ان الاستحقاق الرئاسي ما زال يدور في حلقة مفرغة لأنّ طبخة التوافق لم تنضج بعد، ربما لأن عناصرها لم تكتمل بعد، أو لأنّ المعنيين لم يحسموا خياراتهم النهائية في شأن هذه العناصر تمهيداً لإنجاز الصيغة التوافقية التي لا بد ان تشتمل على كل العناصر التي تكون فيها السلطة التنفيذية الجديدة من رئيس جمهورية ورئيس حكومة وتركيبة حكومية، والتي ستتولى مهلة انقاذ البلاد.
وعلمت «الجمهورية» ان رئيس إحدى الكتل النيابية الاساسية طلب من نواب كتلته عدم السفر في هذه المرحلة ولو ليوم واحد، تحسّباً لأي مفاجأة رئاسية ولأنه «لا نعرف متى يمكن إشعال الضوء الأخضر لانتخاب رئيس الجمهورية».
ومع تلاحق جلسات الانتخاب العبثية كل خميس، هناك من اقترح على الرئيس نبيه بري ان لا يدعو الى جلسة أسبوعية، لكنه أصرّ على الاستمرار في الدعوة اليها بوتيرة أسبوعية من باب ان يؤدي واجبه كرئيس للمجلس وان يتحمل النواب مسؤولياتهم.
وكان مجلس النواب قد التأمَ أمس في جلسة سابعة لانتخاب رئيس للجمهورية، الا انه كما المرات السابقة لم يحصل الانتخاب. وقد حدد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعدا جديدا الخميس المقبل في 1 كانون الاول المقبل. وسجّل خروج نواب من كتلتي «التنمية والتحرير» و»الوفاء للمقاومة» من القاعة قبل اعلان نتيجة فرز الاصوات التي أفضت الى الآتي: 50 ورقة بيضاء، 42 صوتاً لميشال معوض، 8 لـ»لبنان الجديد»، 6 لعصام خليفة، 2 لزياد بارود، 1 لبدري ضاهر، وورقة ملغاة.
وقال عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب علي حسن خليل لـ»الجمهورية»: «الحاجة للحوار والتواصل تزداد مع رتابة الجلسات وهذه مسؤولية الكتل النيابية، امّا تكرار الكلام عن التعطيل ورمي المسؤولية على الفريق الاخر فلن يوصل الى النتيجة».
وسأل خليل: «ماذا يمنع الحكي والحوار بيننا؟ لا شيء سوى الاقتناع بالحاجة اليه وضرورته لتهيئة الاجواء التي ستتقاطع حتماً مع momentum خارجي في توقيت ما ربما نساعد من خلال الحوار فيما بيننا على فَرضه، خصوصاً ان موازين القوى داخل المجلس موزّعة في غير اتجاه وليس على فريقين، والا فإنّ التسوية لا تزال بعيدة وعوامل نضوجها غير واضحة».
وشدد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي عمار على «ضرورة الإسراع في الحوار المطلوب داخل الفريق الواحد وبين الأفرقاء كافّة، وحتّى الآن ما زلنا نفضّل أن يكون الوفاق هو سيّد القصر وينال الأغلبيّة السّاحقة من الأصوات»، وقال: «انّ «تعبير «فيتو» لا نستخدمه في الدّاخل اللبناني». ولفت إلى أنّ «قائد الجيش جوزف عون قدّم نموذجًا طيّبًا في إدارته للمؤسّسة، واستطاع من خلال قيادته للجيش أن يحمي السلم الأهلي، لكنّ هذا الأمر ليس له ربط بالاستحقاق الرئاسي، ولا أقول إنّه ليس مرشّحًا بل ليس له ربط». وركّز على أنّه «إذا لم يحصل وفاق أو إذا تأخّر، فالأمور متّجهة إلى وضعٍ كارثيّ أكثر ممّا نحن عليه اليوم».
وقال النائب ميشال معوض بعد رفع الجلسة: «المعيار هو التصويت والتأييد الذي استخدمه دوماً، اي المعيار نفسه، وهناك 5 من الغيّاب. اليوم أحرزنا تقدما بالنسبة الى المرة الماضية، وانتقلنا من 45 صوتا الى 47 تصويتا وتأييدا، وإنّ جزءاً اساسياً من هذا التقدم هو إعلان النائب مارك ضو والزميلة النائب نجاة عون صليبا باسم حزب «تقدّم» عن اتفاق حصل بيننا وبينهم للتصويت لي انطلاقاً من الثوابت التي أدافع عنها».
وأكد عضو تكتل» الاعتدال الوطني» النائب وليد البعريني أن التكتل «لن يسمّي أحداً لرئاسة الجمهورية إلا بعد التوافق والاجماع». وأشار إلى أن «التكتل سيجتمع لإعادة النظر بأمور عدة». ودعا «الكتل الوازنة في البلد»، إلى «الاتفاق على اسم للرئاسة»، مشيراً إلى أن «تكتل «الاعتدال الوطني» على تواصل مع غالبية الكتل النيابية باستثناء «حزب الله».
الطعون
الى ذلك، ومع اعلان المجلس الدستوري فوز فيصل كرامي وحيدر ناصر بالنيابة في طرابلس بعدما كان قد رَد في السابق طعوناً أخرى، نُقل عن مرجع رسمي كبير إشادته بعمل المجلس عموما ورئيسه طنوس مشلب خصوصا. واعتبر المرجع ان سلوك مشلب في ملف التعامل مع الطعون دقيق ويكاد يرقى الى حدود الكمال.
وكان رئيس «المجلس الدستوري» القاضي طنوس مشلب قد أعلن امس أنه «عند اعادة الفرز تغيّرت النتائج وصحّحناها وتم إبطال نيابة رامي فنج (من لائحة «انتفض للسيادة من العدالة» في دائرة الشمال الثانية) لمصلحة رئيس «تيار الكرامة» فيصل كرامي (من لائحة الإرادة الشعبية)، ليفوز بذلك حيدر ناصر عن المقعد العلوي في لائحة «انتفض للسيادة والعدالة»، مكان النائب عن المقعد العلوي فراس السلوم من لائحة «التغيير الحقيقي» التي ترأسها النائب إيهاب مطر. وكشفَ أنّ «الدستوري» بلّغ مجلس النواب القرار. وأكد مشلب أن نتائج المتن وعكار تحتاج الى بعض الوقت لتظهر، وربما بعد أسبوعين سيتم الاعلان عنها.
وفي هذا السياق قال النائب كرامي في اول تصريح له بعد إعلان قرار الطعن: «الانتخابات باتت وراءنا وسنعمل مع الجميع لمصلحة طرابلس والشمال التي تستحق والتعاون مع كل الزملاء باستثناء «القوات اللبنانية». وأكد ان «الحق عاد وكنت واثقاً من الأرقام والوثائق التي تقدمنا بها للمجلس الدستوري». وقال: «مَن يسمّون أنفسهم تغييريين يمثلون شريحة وبعض طروحاتهم تتوافق مع طروحاتنا، المجلس الدستوري أعاد الحق لاصحابه، وأصحاب الحق هم الذين انتخبوا لائحة الإرادة الشعبية».
قرارات شجاعة
من جهة ثانية رأى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، خلال رعايته افتتاح فعاليات «منتدى بيروت الاقتصادي 2022»، الذي ينظمه إتحاد المصارف العربية، في فندق فينيسيا، تحت عنوان: «التجارب العربية في الإصلاح الاقتصادي وصولاً الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي»، أنّ «عمق الازمة التي يمر بها الاقتصاد اللبناني وتشعّبها يستوجبان قرارات شجاعة وقوانين إصلاحية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي ليصبح في وضعٍ سليم بعد عقود من السياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة او غير المتوازنة». وشدد على أنّ «هناك خيارين مُتاحَين اليوم، الخيار الأول الذي يجب تجنّبه بكافة الطرق يتمثّل بسيناريو المراوحة والجمود واللا إصلاح والذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى «الليلرة» المطلقة. في حين أن الخيار الثاني يقوم على إعادة هيكلة منتظمة وفق برنامج إصلاحي مع صندوق النقد الدولي من شأنه أن يكون المفتاح للتصحيح الضروري للوضع المالي بشكل عام». واعتبر أنّ «الخروج من المأزق يجب أن يكون عن طريق حلّ عام وتسوية عامة، تنطوي قبل كل شيء على انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن، وتشكيل حكومة جديدة والاسراع في عجلة الإصلاحات المنشودة وإبرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي. وبالتالي، الحصول على المساعدات الدولية الموعودة، وذلك في سبيل احتواء المخاطر الكامنة حالياً كشرط مسبق لأي نهوض اقتصادي مَرجو على المدى المتوسط والطويل».
نفي إيراني
على صعيد آخر نفى المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي بهادري جهرمي امس «منح لبنان نفطًا بالمجان»، معلنًا أنه «سيتم اتخاذ جميع الإجراءات في هذا المجال وفقا للأعراف الدولية وبما يتوافق مع المصالح الوطنية». واوضح خلال جلسة للحوار مع طلبة الجامعات الطبية الإيرانية والرد على تساؤلاتهم، انه «رغم ظروف الحظر فقد حطّمنا الرقم القياسي خلال الشهر الماضي في تصدير النفط». وأضاف: «لقد تحققت هذه الوتيرة المتصاعدة في تصدير النفط منذ بداية مهام الحكومة الحالية، وهذا لم يتحقق إلا بجهود المدراء والمخلصين في هذا المجال