ينشر نادي قضاة لبنان، تباعاً مجموعة من الأسئلة والأجوبة حول ما يثار من مسائل تهم الرأي العام، حرصاً منه على صدقية السلطة القضائية وعلى الشفافية في ممارسة الشأن العام، وانفتاحاً من النادي على أي نقد بنّاء يشكل حافزاً للتحسين ودحضاً منه للنقد الهدّام الذي يشكل تضليلاً للرأي العام. السؤال الرابع الذي يطرحه النادي هو:” هل صحيح أن السلطة القضائية مسؤولة عن الوضع المأسوي الذي وصل اليه لبنان؟”، والجواب في هذا النص:
في الأحوال الطبيعية لا شك في أن السلطة القضائية، بوصفها سلطة دستورية تحكم باسم الشعب، مسؤولة بالاشتراك مع باقي السلطات عن الانهيار الذي يصيب مؤسسات الدولة، ولكن الوضع يختلف في لبنان للأسباب الآتية:
١- إن السلطتين التنفيذية والتشريعية تسعيان دوماً إلى تقويض السلطة القضائية لجعلها أداةً طيعة بيدهما تتحكمان بها كما تشاءان، وذلك عبر إقرار قوانين وإصدار قرارات تناقض أحكام المادة /20/ من الدستور اللبناني وتسمح لهما ببسط نفوذهما داخل السلطة القضائية.
٢- إن معظم المراكز الأساسية في القضاء، سواء بالعدلي أم بالمالي أم بالإداري معيّنة بقرار سياسي، والتعيين يحصل في أكثر الحالات بحسب الولاء الطائفي أو السياسي، ناهيك عن الرأي الراجح للسياسي في التشكيلات القضائية تحت طائلة عدم توقيع مراسيمها.
٣- إن قانون استقلالية القضاء لا يزال يترنّح بين سلطة ولجنة ووزارة وأهواء مسيّرية وخوفنا أن يولد القانون مسخاً لا استقلالية فيه إلا عنوانه.
٤- إن السلطة السياسية حصّنت نفسها بقوانين تضعها بمصاف الآلهة العصيّة عن الملاحقة وأقرّت إجراءات وتدابير تضيع فيها المسؤوليات وأولت اختصاصات يُراد منها أحياناً طمس الحقائق، فأمسى الوطن وطن اللامحاسبة بامتياز، بخاصةٍ وأن هذه المحاسبة صارت مطلوبة للغير فقط من باب التشفّي وتسجيل النقاط، ومحرّمة على النفس والأتباع.
٥- إن الشعب، بشريحة كبيرة منه، يؤمن بالزعيم الذي خلق له مساحة آمنة من الدولة التي أفشلها بنفسه، ويبرّر للزعيم كل موبقاته خوفاً من الآخر، ويُطالب بمحاسبة الجميع إلا زعيمه، فتُرجَم الدولة التي لا تزال للأسف متروكة ويتيمة الأبوين، ألف رجمة.