كتبت صحيفة “النهار” تقول: لم يكن غريبا ان يشعر اللبنانيون مجددا وتكرارا بانهم “ايتام دولة” اذ تسمر معظم العالم على الشاشات يتابع حدث مونديال 2022 في الدوحة فيما هم محرومون من مواكبة هذا الحدث.
كما لم يكن غريبا ان ينفجر غضب بكركي على النحو غير المسبوق بحدته حيال المماطلة في انتخاب رئيس الجمهورية في ما عكسته عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، اذ ان مجمل الظروف والأجواء الملتبسة حيال ازمة الفراغ الرئاسي تنذر بمزيد من التداعيات السلبية في ظل امعان الجهات المعطلة للانتخاب الرئاسي في المناورات المكشوفة لاطالة امد الفراغ ربطا بخلفيات داخلية وإقليمية لم تعد خافية على احد. ويبدو واضحا ان التعقيدات والافتعالات التي تشكل سدا يصعب اختراقه وتجاوزه نحو انتخاب رئيس جديد، باتت تتراكم كلما طال الوقت، اذ ان اكثر من جهة ديبلوماسية غربية وعربية افضت الى مراجع وجهات معنية بقلقها حيال ان تمر شهور طويلة بعد رأس السنة الجديدة من دون التوصل الى انتخاب رئيس في حال لم يتنبه جميع الافرقاء اللبنانيين الى خطورة الواقع العالمي الذي لا مكان فيه لاي أولويات قد تساعد لبنان على تخطي ازماته وفي مقدمها ازمة الفراغ .
حتى ان الجهات اللبنانية لمست من هذه الجهات الديبلوماسية تقليلها من الرهانات على تحرك فرنسي محتمل، ولمحت الى ان ثمة تباينات بين دول أوروبية عدة وفرنسا تحديدا حيال مقاربة الاستحقاق الرئاسي اللبناني وتحديدا حيال التعامل مع “حزب الله” بحيث يسود رأي غالب لدى الاتحاد الأوروبي بوجوب التعامل بتشدد اكثر مع الحزب فيما تغلب المرونة لدى فرنسا في هذه المقاربة. ولكن الفراغ الرئاسي الراهن جعل وجهة النظر الأوروبية المتشددة اكثر صدقية بما قد ينعكس تباعا على المقاربة الفرنسية . واما في المشهد الداخلي فان الأوساط المعنية لا تستبعد ان تسبق الجلسة السابعة لانتخاب رئيس الجمهورية الخميس المقبل تطورات جديدة على محور المبارزة المفتوحة على الغارب داخل محور 8 اذار وتحديدا بين رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران #باسيل وكل من رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية ورئيس مجلس النواب نبيه بري علما ان انفجار السجالات الأخيرة بعد تسريب فيديو للقاء اجراه باسيل في باريس مع مناصرين للتيار وضع “حزب الله” في موقع حرج للغاية قد ينتج عنه سعيه تكرارا الى إحلال “هدنة” بين حلفائه .
“مبادرة #ماكرون”
ونقلت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين عن مصدر فرنسي رفيع تاكيده لـ”النهار” إن الرئيس ايمانويل ماكرون بادر الى إدراج الموضوع اللبناني على جدول محادثاته مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، وان الطرفين اتفقا على فكرة ضرورة ايجاد اشخاص قادرين على إجراء الاصلاحات المطلوبة في لبنان، وإنْ لم يكن بينهما رهان على شخصية معيّنة للرئاسة الاولى، فالمهم هو التركيز على البرنامج. كذلك اتفقا على التنسيق في شأن سبل متابعة المرحلة السياسية في لبنان على اساس برنامج الاصلاحات، وحضّ اللبنانيين على التوافق في ما بينهم على انتخاب رئيس للجمهورية، من غير ان يخوضا في مزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع. وذكّر ماكرون ولي العهد السعودي بإرسال المساعدات المالية الانسانية الى لبنان.
وسألت “النهار” المصدر الفرنسي نفسه عما اذا كان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل قد قدّم خلال زيارته الاخيرة الى باريس حلاً لمعضلة الانتخاب الرئاسي حينما التقى مستشار الرئيس ماكرون، فأجاب انه لم يعرض ايّ حل و”يجب عليه ان يساهم في تسهيل انتخاب رئيس للبنان، وهذه العملية قد تستغرق وقتاً”. وهل لدى فرنسا مبادرة للحل؟ قال: “وحده الرئيس ماكرون يبادر دائما في شأن التحاور عن لبنان، فهو يتحاور مع ولي العهد السعودي، ثم بعد 15 يوما سيثير الموضوع مع الرئيس الاميركي جو بايدن في واشنطن، وهذا في ذاته يُعدّ مبادرة لان ليس هناك مَن يتكلم عن لبنان باستثناء ماكرون. وليس هناك اي اجتماع او مؤتمر فرنسي كما يتردد، فماكرون زار لبنان في الماضي وعقد اجتماعا مع رؤساء الاحزاب، وبعد ذلك واجه انتقادات من الجميع، ولن يفعل ذلك مجددا”.
وكشف المصدر المسؤول ان الرئيس الفرنسي تطرق مع ولي العهد السعودي الى موضوع عقد مؤتمر “بغداد 2” في عمان الذي سيجمع قوى المنطقة على اعلى مستوى، وان بن سلمان وافق على المشاركة فيه، ولكن لم يتم تحديد موعد لهذا المؤتمر بعد.
العظة النارية
وفي ظل هذه التعقيدات جاءت العظة النارية للبطريرك الراعي امس لتطلق العنان للكثير من التساؤلات عن المعطيات القاتمة جدا ، كما وصفها مطلعون ، المتجمعة لدى الراعي من لقاءاته واتصالاته ومراجعاته الداخلية والديبلوماسية التي جعلته يرفع سقف مواقفه الى ذروة غير مسبوقة. اذ انه هاجم بعنف النواب تحديدا قائلا “كم يؤلمنا عندما نرى المجلس النيابي يهدر الزمن خميسًا بعد خميس، وأسبوعًا بعد أسبوع في مسرحيّة هزليّة لا يخجلون منها، وهم يستخفّون بانتخاب رئيس للبلاد في أدقّ الظروف. إنّنا نحمّلهم مسؤوليّة خراب الدولة وتفكيكها وإفقار شعبها” . ثم أضاف “تُطِلُّ علينا بعد يومين ذكرى الاستقلالِ في غيابِ الشعورِ بها، كأنَّ اللبنانيّين يَخجلون من أنفسِهم ويُدركون أنهم نالوا استقلالهَم سنةَ 1943 لكنّهم لم يحافظوا عليه، وتَناوبَ عليهم من يومِها أكثرُ من احتلالٍ ووصاية. تأتي ذكرى الاستقلال هذه السنة شاغرة وفارغة هي أيضًا من معانيها وأبعادِها. إذ ليس الاستقلال أنْ يخرج الأجنبيُّ من لبنان بل أن يدخل اللبنانيّون إلى لبنان. والحالُ أنّنا نرى فئاتٍ لبنانيّةً تَستجدي الوصايةَ وتَتسوّلُ الاحتلال وتشحذُ التبعيّة”.
وقال: “حذارِ الاستخفافَ باختيارِ رئيسِ الجُمهوريّةِ المقبِل. نحن ننتخب رئيسًا لاستعادةِ الاستقلال. فأيُّ خيارٍ جيّدٍ يُنقذُ لبنانَ، وأيُّ خيار سيّء يُدهورُه. إنَّ قيمةَ الإنسانِ أن يُقيِّمَ المسؤوليّةَ الـمُناطةَ به، فلا يجازفُ بها ولا يساوم عليها. لذلك نناشد النوّاب ألّا يَقعوا من جهةٍ ضحيّةَ الغِشِّ والتضليلِ والتسوياتِ والوعودِ الانتخابيّةِ العابرة، ومن جهةٍ أخرى فريسة السطوة والتهديد والوعيد. ونحن أصلًا شعبٌ لا يَخضعُ لأيِّ تهديدٍ، ورئيسُ لبنان لا يُنتخَبُ بالتهديدِ والفَرْض”. وعاود مرة أخرى تحديد مواصفات “لرئيسٍ مُنقِذٍ يُعلن التزامَه الحاسمَ بمشروعِ إخراجِ لبنان من أزْمته” وعدد هذه الالتزامات ومن ابرزها “تأليفُ حكومةِ إنقاذٍ قادرةٍ على القيامِ بالمسؤوليّاتِ الكبيرةِ المناطَةِ بها في بداية العهدِ الجديد ، إحياءُ العملِ بالدستورِ اللبناني والالتزامُ به إطارًا للسلمِ اللبنانيِّ، ومرجِعيّةً لأيِّ قرارٍ وطنيّ، واعتبارُ اتفاق الطائف منطلقًا لأيٍّ تَطورٍ حقوقيٍّ من شأنِه أن يُرسِّخَ العدالةَ بين اللبنانيّين ، دعوةُ الدول الشقيقة والصديقة إلى تنظيم مؤتمر لمساعدة لبنان أو إحياءِ المؤتمرات السابقة وترجمتِها سريعًا، وتطبيق قرارات مجلس الأمن المختصّة ببسط السلطة اللبنانيّة الشرعيّة على كامل أراضي البلاد، مع تثبيت حدوده مع كلّ من إسرائيل وسوريا، إيجادُ حلٍّ نهائيٍّ وإنسانيّ لموضوعَي اللاجئين الفِلسطينيّين في لبنان والنازحين السوريّين، لأنّهم أصبحوا على لبنان عبئًا ثقيلًا إقتصاديًّا وإجتماعيًّا وأمنيًا وديموغرافيًّا ، أخذُ مبادرةٍ رئاسيّةٍ إلى دعوةِ الأممِ المتّحدةِ بإلحاحٍ إلى رعايّةِ مؤتمرٍ خاصٍّ بلبنان”.