كتبت صحيفة “النهار” تقول: لم يكن غريباً ان تحمل الاسرة الدولية الافرقاء السياسيين اللبنانيين تبعة الفراغ الرئاسي في ظل التخبط الذي يعيشه لبنان امام مرحلة محفوفة بأخطار وتداعيات الانهيار الموروث من الحقبة السابقة، بالإضافة إلى التداعيات الماثلة راهنا من جراء انزلاق البلاد نحو تجربة فراغ مؤسساتي ورئاسي مفتوحة على احتمال التمدد غير المحدد بأفق زمني واضح. لم يكن أدل من صدقية ارتفاع القلق الدولي على الوضع في لبنان بعد يومين من نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون من مؤشرين حملا دلالات بارزة ومعبرة عن المآل التشاؤمي الذي يحوط الاستحقاق الرئاسي. الأول تمثل في مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الغاء دعوته الى الحوار محملا ضمنا مسؤولية انفراط هذا الاتجاه للكتلتين المسيحيتين الأكبرين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”. والثاني تجسد في كلمة غير مألوفة في وصف الواقع اللبناني الانهياري توجه بها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى القمة العربية التي انعقدت في الجزائر، وكأنه ينذر العرب ان لم يمدوا يد الدعم والاعانة للبنان، فانه ذاهب نحو مزيد من التفاقم والانهيار. ومع ان بعض الأوساط المحلية يعتبر ان تعاقب المواقف الدولية من حلول الفراغ الرئاسي لا يعكس بعد السخونة والدلالات الكافية لتوقع تدخل خارجي قوي ومؤثر مع القوى الداخلية ومبادرات معينة لتقصير امد الفراغ، فان ذلك لا يقلل من أهمية المؤشرات التي بدأ يطلقها المجتمع الدولي في هذا الصدد وهي مؤشرات مرشحة للتصاعد تباعا.
وفي هذا السياق أصدرت امس مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان بيانا ذكرت في مستهله ببيانها الصادر في 5 تشرين أول 2022 ولاحظت “بقلق استمرار غياب التعاون بين الأطراف السياسيين اللبنانيين على نحو أفضى الى فراغ رئاسي في وقت يحتاج فيه لبنان الى خطوات سريعة وحاسمة لمعالجة أزماته الاقتصادية والمالية والإنسانية المتفاقمة”. وأضافت ان ” لبنان يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى أن تعمل مؤسسات الدولة بكامل فعاليتها لتتمكن من تنفيذ الإصلاحات الشاملة برؤية استراتيجية تستحث تغييراً جوهرياً يحقق المصلحة العامة.” ودعت المجموعة “أعضاء البرلمان إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية دون تأخير، رئيس يوحد الشعب اللبناني من أجل المصلحة الوطنية . وفي ظل غياب رئيس للجمهورية وإلى حين تشكيل حكومة جديدة، تدعو مجموعة الدعم الدولية كل الأطراف المعنية إلى
التحلي بروح المسؤولية من أجل تنفيذ الإجراءات المسبقة المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي بالكامل، وضمان قيام المؤسسات الحاكمة في لبنان بخدمة مواطنيها وتلبية احتياجاتهم الملحة. وتؤكد مجموعة الدعم الدولية استمرارها بالوقوف إلى جانب لبنان وشعبه”.
في الجزائر
وفي الجزائر حيث انعقدت القمة العربية ألقى الرئيس ميقاتي كلمة بإسم لبنان اتسمت بنبرة وجدانية قاتمة في تشريح الوضع في لبنان امام الزعماء ورؤساء الوفود العرب فأعلن “أن لبنان الذي تعرفونه قد تغيّر نعم قد تغيّر. المنارة المشرقة انطفأت، والمرفأ الذي كان يعتبر باب الشرق إنفجر. والمطار الذي يعتبر منصة للتلاقي تنطفئ فيه الانوار لعدم وجود المحروقات”. وقال “أننا في دولة تعاني اقتصاديا وحياتيا واجتماعيا وبيئيا، ونحارب الاوبئة باقل الامكانات. نعم، باقل الامكانات حتى وصلنا الى اللحم الحي. فنحن نواجه منذ سنوات عدة، أسوأ ازمة اقتصادية واجتماعية في تاريخنا، نالت من سائر المؤسسات ووضعت غالبية اللبنانيين تحت خط الفقر، وتسببت بهجرة الكثير من الطاقات الشابة والواعدة، وخسارة الوطن خيرة ابنائه.” وأشار إلى “أن لبنان نجح مؤخرا، في التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود الجنوبية لمنطقته الإقتصادية الخالصة ، “ونامل في أن يكون ذلك بداية مسار يقود إلى ازدهار لبنان ورخاء اللبنانيين والتوافق على انتخاب رئيس جديد يلم شمل اللبنانيين”. وعوّل الرئيس ميقاتي في كلمته على “مساعدة جميع الاخوة العرب للبنان”، وقال: وإننا إذ نستذكر اتفاق الطائف الذي أرسى معادلة الحكم في لبنان، فلتأكيد التزامنا التام به، وعدم تساهلنا مع اي محاولة للمس بجوهره.”
وفي سياق متصل، أعتبر ميقاتي قبل إلقائه كلمته أن “الضمانات الأميركية ستحمي اتفاق الحدود البحرية مع إسرائيل ولبنان ليس خائفا من احتمال إلغاء الاتفاق إذا فاز بنيامين نتنياهو بأغلبية في الانتخابات”. وأضاف لرويترز “أصبح الاتفاق في عهدة الأمم المتحدة، ولبنان من ناحيته ملتزم بهدا الاتفاق الذي أودع في الامم المحتدة ونحن لا نعتقد أن أحدا يمكن أن يزيح قيد أنملة بهذا الموضوع”.
وبدا لافتا صدور موقف سعودي جديد من لبنان عشية المؤتمر الذي تعقده وتنظمه السفارة السعودية في بيروت في الذكرى 33 لاتفاق الطائف والذي سيقام السبت المقبل في قصر الاونيسكو في بيروت . فقد اعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان من الجزائر أنّ “المملكة تشدد على محورية سيادة الدولة اللبنانية”، داعيًا الى “انتخاب رئيس يكون قادرا على توحيد البلاد”. وقال بن فرحان: “الصراعات الجيوسياسية تنذر بتقويض العالم على مواجهة التحديات”، مشددا على أنه “يجب توحيد المواقف لتحقيق غايات العمل العربي المشترك”. وأكد أنّ “التدخلات الخارجية والميليشيات تحتم تكاتف جهودنا لمواجهتها”، مشيرا الى أننا “نرفض نهج التوسع والهيمنة على حساب الآخرين”.
اما “حصة” لبنان من القمة فاقتصرت على فقرة “تضامنية” ذكرت بالإصلاح وبالانتخاب الرئاسي وجاء فيها “تجديد التضامن مع الجمهورية اللبنانية للحفاظ على أمنها واستقرارها ودعم الخطوات التي اتخذتها لبسط سيادتها على أقاليمها البرية والبحرية والإعراب عن التطلع لأن يقوم لبنان بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة وأن يقوم مجلس النواب بانتخاب رئيس جديد للبلاد”.
الرئيس بري يلغي دعوته
اما في المشهد الداخلي فبرز بعد يومين على دخول لبنان مرحلة الشغور الرئاسي منتصف ليل الاثنين، القرار السريع الذي اتخذه الرئيس بري بالتراجع عن دعوته الى الحوار بين رؤساء الكتل النيابية للبحث في الاستحقاق الرئاسي. واصدر المكتب الإعلامي لبري بيانا مقتضبا اعلن فيه انه “بعد استمزاج الآراء حول الدعوة للحوار بين الكتل النيابية للوصول لرئيس توافقي يعتذر الرئيس نبيه بري عن عدم السير قدماً بهذا التوجه نتيجة الاعتراض والتحفظ سيما من كتلتي القوات والتيار”. وبدا لافتا ايراد السبب المباشر لالغاء الدعوة بربطها بموقفي كتلتي القوات والتيار، اذ اعتبرت أوساط نيابية ان ثمة تعمدا واضحا في تحميلهما تبعات الإطاحة بهذه المبادرة في وقت لا يبدو ان ثمة مؤشرات لتحرك اخر مكانها الا الدوران في دوامة جلسات لن تؤدي الى انتخاب رئيس جديد في وقت منظور .
ومن غير المستبعد ان يثير موقف بري هذا توترا بينه وبين الكتلتين اذ ارتسمت عقب صدور البيان معالم تشنج قد تترجم في المداخلات والمواقف التي ستشهدها الجلسة التي سيعقدها مجلس النواب اليوم، اذا انعقدت، والمقررة أساسا لمناقشة رسالة الرئيس ميشال عون الى مجلس النواب لمحاولة سحب التكليف من رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي. وأكد النائب أديب عبد المسيح في هذا السياق أن “اللقاء التشاوري الذي عقد بحضور 27 نائباً أولويته انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت وهذا اللقاء هو للاعتراض على رسالة الرئيس عون لأننا لا نريد خلق نزاعات طائفية جديدة”. وشدد على أن “الأولوية هي دائماً لانتخاب رئيس جديد والمجلس في حالة انعقاد دائم لانتخاب رئيس ولا يمكننا أن نحلّل الفراغ” ولفت الى أن ” بالنسبة لجلسة الغد (اليوم) سيتمّ تلاوة رسالة ميشال عون ولكن لن يحصل اتفاق على التصويت عليها ومن الممكن تطيير النصاب”.