كتبت صحيفة النهار تقول: قُبيل ساعات من “خطاب الوداع” الذي سيُلقيه ظهر اليوم أمام حشد من مناصريه في قصر بعبدا ويُغادر بعدها إلى الرّابية إيذاناً بنهاية ولايته الرئاسية منتصف ليل الإثنين – الثلثاء مضى الرّئيس ميشال عون في “إمطار” الإعلام الذي طالما هاجمه بأقذع الأوصاف بتصريحات وأحاديث ومقابلات كرّر عبرها معزوفات مواقفه وهجماته على سائر القوى والمسؤولين والسياسيّين الذين لم يوفّر منهم طبعاً سوى تيّاره و”حزب الله”. ولكن هذا الجانب الذي بدا رتيباً وفقد الأبعاد المهمّة نظراً لتحويل عون مناسبة نهاية ولايته إلى محطّة لفتح تصفية الحسابات الضيّقة وإطلاق منصّات السّجالات في كلّ الاتّجاهات بدل تهيّب لحظة الفراغ التي يورثها عهده للبنانيّين بالإضافة إلى الانهيار وكلّ المورثات الكارثيّة الأخرى لم يحجب ترّقب ما سيحمله اليوم وغداً من تطوّرات ومواقف محتملة لجهة الوضع الحكومي. إذ أنّ عون بدا مضعضعاً في إطلاقه حيناً التّهديدات بتوقيع مرسوم قبول استقالة حكومة تصريف الأعمال وطوراً بإيحائه أنّه لم يقرّر نهائيّاً بعد توقيع هذا المرسوم. وعكس ذلك استشعاراً بعدم جدوى هذه الخطوة بالإضافة إلى عدم استنادها إلى ركيزة دستوريّة إن لم نقل إنّها تشكّل خرقاً دستوريّاً إضافيّاً.
ووسط انعدام أيّ رهان على فرصة أخيرة لتعويم تعديل حكومي قبل نهاية اليوم الأخير من ولاية عون بادر هو بنفسه إلى القول أنّ مرسوم قبول استقالة الحكومة “هو قيد التّفكير لكنّني لم أنفّذه بعد .. وطالما أنا رئيس يمكنني تنفيذه، هذا إذا قرّرت تنفيذه”.
وفي وقت اتّخذت فيه الاستعدادات الأمنيّة لمواكبة الوداع الرّسمي والحزبي لعون اليوم في قصر بعبدا قالت مصادر في حزب “القوات اللبنانية” أنّ رئيس الحزب سمير جعجع سبق أن أعطى توجيهاته لكلّ الحزبيّين بالانضباط والامتناع عن أيّ تحرّكات اليوم الأحد كما دعاهم لعدم الإنجرار إلى أيّ نوع من الإستفزاز أو التّصعيد في مختلف المناطق تزامناً وانتهاء ولاية الرئيس عون ومغادرته القصر الجمهوري.
وبعد ظهر أمس نصب محازبون من “التيار الوطني الحر” خيماً على طريق قصر بعبدا لمواكبة عون من بعبدا إلى منزله في الرّابية وقرّر “التيار” أن يبيت ليل السّبت في أحراج بعبدا داخل الخيم. وهدّد جبران باسيل ليلاً ببدء المواجهة اليوم مع من وصفهم بمغتصبي السّلطة والدستور.
على الصّعيد السياسي مضى عون في إطلاق المواقف عبر إطلالاته الإعلاميّة، موجّهاً الهجمات في مختلف الاتجاهات . وكرّر أنّ “الدستور لا يمنع إصدار مرسوم قُبول استقالة الحكومة واحتمال إصداره لا يزال قائماً”، لافتاً إلى أنّ “تأليف الحكومة يبدو مستحيلاً”. وفي حديث لـ”رويترز” اعتبر أنّ “استكشاف الغاز هو الفرصة الأخيرة للّتعافي الاقتصادي”، مؤكّداً أنّ “حزب الله لعب دوراً مفيداً كرادع خلال عمليّات ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل”. واجتهد في أنّ “العقوبات الأميركية لا تمنع رئيس التيّار الوطني الحرّ النّائب جبران باسيل من الترشّح للرئاسة، ويمكن محوها بمجرّد انتخابه”. وأكّد أنّ “الفوضى الدستورية محتملة في لبنان لشغور منصب الرئاسة” بعد رحيله.
وفي سياق متصل، أشارت معلومات إلى أنّ دوائر القصر الجمهوري أنجزت إعداد مرسوم قبول استقالة الحكومة وسيوقّعه عون في اليوم الأخير من ولايته غداً الإثنين منعاً لأيّ ردّات فعل تعكر صفو الاحتفالات الشعبيّة بانتقال عون إلى الرّابية اليوم.
وردّت أوساط رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على تصريح عون حول أن “احتمال إصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة لا يزال قائماً”، مشيرةً إلى أنّ “توقيع مرسوم قُبول استقالة الحكومة هو لزوم ما لا يلزم ويُعتبر كأنّه لم يكن ولا يُغيّر من الواقع شيئاً”، ودعت لمراجعة كلام للمرجع الدّستوري إدمون رزق بوصفه هذا الأمر “بالخيانة العُظمى”.
وتابعت أوساط ميقاتي أنّ “رئيس الحكومة أكّد مراراً وتكراراً أنّه لن يكون تصادميّاً ولا استفزازيا ولا يسعه إلّا أن يقوم بما أوكله إليه الدستور”.
وقد أكّد ميقاتي “أنّنا مقبلون على مرحلة جديدة عنوانها الأبرز أنّنا لن نتحدّى أحداً ولن نقف بوجه أيّ أمر يخدم لبنان وأهله”. وخلال تفقّده أمس أعمال افتتاح معمل “أكوافينا” الجديد في منطقة الباروك قال: “فلتتوقّف المناكفات والتجاذبات رحمةً بالنّاس وبقطاعات الانتاج، لا سيّما أنّنا شهدنا في الصّيف الفائت حركة مهمّة وتدفّقات ماليّة مهمّة من اللبنانيين والسيّاح. ونحن ننتظر في الفترة المقبلة موسماً شتويّاً واعداً، وقد أبلغني أحد السّفراء العرب بالأمس أنّ هناك حجوزات مكتملة لمدّة خمسة عشر يوماً للسّفر إلى لبنان خلال عيديّ الميلاد ورأس السّنة، بمعدّل أربع أو خمس طائرات في اليوم. فلنتعالَ عن كلّ التجاذبات، ولتتكاتف الأيادي بعيداً عن الحسابات والفئويّات والعصبيّات، ولنتعاون لمعالجة الأوضاع الصّعبة وإعادة التّعافي إلى لبنان”.
وفي التردّدات التي أثارتها مواقف عون أشارت هيئة الرّئاسة في “حركة أمل” في بيانٍ إلى أنّ “بعد أن بلغ سيل التّطاول والتجنّي على رئيس حركة أمل رئيس مجلس النوّاب نبيه بري من جهات عدّة حدّاً لم يعد جائزاً السّكوت عنه تحت أيّ وجه من الوجوه، “فمن ثمارهم تعرفونهم” فلا يُجنى من الشوك عنب، ولا من العوسج تين، وكي لا يفسّر الصّمت تسليماً بتخرّصات أولئك المسكونين بالكوابيس والهواجس. نؤكّد أنّه من المؤسف التجنّي الذي يلحق بالأخ دولة الرئيس نبيه بري من جهات يعرفها القاصي والدّاني، والتي تتذرّع حيناً بأنّ رئيس المجلس لا يحقّ له الدّعوة إلى الحوار وأخذ صلاحيّات رئيس الجمهورية، متناسياً حوار عام 2006 بحضوره بشخصه وكانت المطالبة آنذاك بوجوب مشاركته في الحكومة، وحيناً آخر بالتذرّع بأنّ الرّئيس برّي ليس مع تأليف الحكومة وهو الذي سعى ولا يزال بإخلاص وبقوّة من أجل إنجازها، لكن الحقيقة بائنة كما الشمس بأنّ من يتّهم ويصوّب السّهام نحوه هو الذي عطل تأليف الحكومة ويُريد تسمية أغلب وزرائها دون أن يمنحها الثّقة، فمن هو اليوضاسي؟ وذاكرة اللبنانيين لا تزال تنضح بمقولة “كرمال عيون الصّهر عمرها ما تتشكّل الحكومة”.
وأضاف البيان: ولأنّ التّرسيم بالتّرسيم يذكر، والبحر دائماً هشام وإخوانه الشّهداء مرسّم بالدم وبالذاكرة التي لا تصدأ، هم يحاولون إخفاء دور الأخ الرئيس نبيه بري في الوصول إلى التفاهم حول الحدود البحرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وهو الذي أسّس له وبناه وأكمله قبل العهد الحالي وإبانه وحتى خواتيمه”.
وبدوره النّائب علي حسن خليل اعتبر أنّ “مرحلة 6 سنوات مررنا بها ضربت أسس الحياة السياسيّة في البلد، وأدّت إلى الكثير من الانهيار، وللأسف لم تردع رئيس “التيار الوطني الحرّ” عن تجاهله لحقيقة دوره الأساسي في ضرب هذه التجربة وهذا العهد، من خلال ممارساته كرئيس ظلّ خلال المرحلة الماضية، رئيس مسؤول عن كلّ النّكسات التي مرّ بها البلد”.
وبثّت محطّة “أن بي أن ” مساءً مقدّمة ناريّة لنشرتها الإخبارية ردّت فيها على عون وباسيل وانتهت فيها إلى القول :”… إرحل يا خازن جهنّم غيرَ مأسوف عليك … وخذ معك الحاشية… وصهرك….فالبلاد صارت حافية ولا أحد يريد أن يتفركش بجبران… خذه وارحل غير مأسوف عليك وعليه.
أما ما تبشرون اللبنانيين به من فوضى وفساد دستوري، تارةً عبر توقيع مرسوم استقالة بدلاً من مرسوم تشكيل، وأخرى عبر مقاطعة حكومة تصريف الأعمال، فلا مكان له من الإعراب، وما تروّجون له من معلومات حول أنّ “حزب الله” لن يشارك في أيّة جلسات حكوميّة هو غير صحيح وفق مصادر مطلعة أكدت للـ”NBN” أنّه لم يصدر أيّ شيء في هذا المجال عن الحزب الذي مازال يقوم بجهود توفيقية”.
وليل أمس ألقى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كلمة مطوّلة تحدّث فيها بإسهابٍ عن اتّفاق ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل فاعتبر “الاتّفاق الذي أُنجز حول ترسيم الحدود البحرية هو إنجاز تاريخيّ وكبير جداً ويستحقّ التوقّف عنده وشرح الملفّ منذ البداية إلى الآن”.
وقال إنّ: “الموقف اللّبناني الرّسمي الموحّد والقوي وتحرّك المقاومة الجدّي والصّارم وضع العدوّ في مأزق وحكومة يائير لابيد في وضع صعب، وفي حال رفض العدوّ وأصرّ على ما كان يخطّط لها كان هذا يعني مواجهة تتطوّر إلى بين المقاومة و”إسرائيل” وقد تتطوّر إلى حرب بين كل لبنان و”إسرائيل” وربّما حرب إقليمية”.
وتابع: “عندما وجدوا أنّ الموقف اللّبناني الرّسمي والمقاومة حاضرة والمعطيات الميدانيّة عن تجهّز المقاومة لحرب شاملة اضطرّوا للقبول بالمفاوضات، وفي النتائج نعتقد أنّ لبنان حصل على كل ما أراده باستثناء أمر واحد ولكن النّتيجة ممتازة جدّاً ونتحدّث عن إنجاز تاريخيّ”.
وأضاف: “لبنان رفض الخطّ 1 الإسرائيلي وخط “هوف” ورفض الضّغوط وتحمّل كلّ الحصار والمخاطر وضغط الوقت والزّمن لأنّ لبنان كان محتاجاً وأصرّ على خط 23 وحصل عليه، كما حصل كل حقل قانا داخل جنوب 23 وحصل لبنان على كامل حقل قانا ولا التزام تجاه العدوّ وهناك التزام من العدوّ بعدم التدخّل به، كما تمّ رفع المنع عن الشّركات للعمل في البلوكات اللبنانية ولا يحقّ ولا يمكن أن يتعرّض لها العدوّ والمنع الأميركي والغربي في سياق الحصار على لبنان تم رفعه”.
وشدّد نصرالله على أنّه “من المهمّ التّذكير بأنّ لبنان لم يقدّم أيّ التزامات أمنيّة أو غيرها”.
ولوحظ أنّ نصرالله لم يأتِ أبداً على ذكر نهاية عهد عون.