كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: مرة جديدة تُجهض السلطة السياسية، الغارقة في البحث عن مكاسبها ومصالحها على حساب البلد واللبنانيين، فرصة تاريخية لإعادة الحياة الى وطن مزّقته تسوياتهم حيناً ومحاصصاتهم احياناً وخلافاتهم المستدامة وعجزهم عن وَقف ارتكاب الحماقات ووقف مسلسل الهدر والفساد.
فبدل أن تلتقط السلطة السياسية اللحظة السياسية والاقتصادية التاريخية التي تحققت بجهود أميركية استثنائية ومواكبة فرنسية حثيثة والتزام ايراني بعدم التعطيل، من خلال إنجاز الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل، وبدل أن توظّف السلطة السياسية هذه الفرصة التاريخية لجعلها قاعدة انطلاق من الجحيم الى النعيم، عبر احترام الدستور وانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة، أغرقت البلد في فراغَين رئاسي وحكومي، لا بل رَمته في المجهول بلا اي افق أو أمل، وهي جريمة اضافية كبرى في حق البلد والناس.
وكشف مصدر دبلوماسي رفيع لـ«الجمهورية» أن المسؤولين اللبنانيين يهدرون فرصة نادرة لإخراج بلدهم من المأساة المالية والاقتصادية التي يعانيها منذ ثلاث سنوات، بعدم استفادتهم من الزخم الدولي والاوروبي الذي أكد جهوزيته لمعاودة الاهتمام بالشأن اللبناني ومساعدته للنهوض مجدداً، وذلك من خلال امتناع هؤلاء المسؤولين عن القيام بواجبهم الوطني في انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة للشروع في ورشة اصلاحية شاملة تُعيد وضع لبنان على سكة الدول الطبيعية».
واضاف المصدر: «يبدو انّ المسؤولين اللبنانيين لا يقدّرون حجم الانجاز التاريخي الذي ساهموا في تحقيقه والامكانات الاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية الكبيرة التي يوفّرها للبنان في حال عرفوا مواكبته وحمايته والبناء عليه، بدون هدر للوقت والفرص. كما يبدو ان القوى السياسية في لبنان ما زالت منغمسة في زواريب مصالحها الصغيرة وغير مهتمة برفع القهر وازالة الجوع والذل الذي يعانيه اللبنانيون بسبب ارتكابات هذه القوى على مدى سنوات».
لتعديل خطة التعافي
وفي هذا الاطار، أكد مرجع اقتصادي ومالي بارز لـ«الجمهورية» انه مع توقيع اتفاق الترسيم، على الحكومة وأي حكومة مقبلة أن تعيد حساباتها جذرياً في خطة التعافي لأنه بعد انجاز الكشف والتنقيب عن الغاز في لبنان خلال أشهر سيتبيّن حجم الثروة التي يمكن ان يحصل عليها لبنان، كما ان شركات استثمارية عالمية ضخمة ستعرض الاستثمار في هذا القطاع حتى قبل البدء بعمليات الاستخراج، ما يحتّم على السلطات اللبنانية وقف جريمة شطب الودائع ومنع السطو على جنى أعمار الناس المحجوزة في المصارف، وعدم الاستسلام الى شروط صندوق النقد الدولي المذلّة ونظريات مسؤوليه الجرمية في حق الشعب اللبناني.
عون: الحكومة لا يُمكنها أن تحكم
ومساء، أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن «لبنان أخذ حقه كاملاً في ترسيم الحدود البحرية ونحن نشعر اليوم اننا أعطينا اللبنانيين املاً جديداً لأن هذا الترسيم سيسمح للبنان باستخراج النفط والغاز».
وأضاف في حوار مع الزميلة ندى اندراوس على شاشة «أل بي سي»: الساحة الجنوبية أصبحت مستقرة ولن تكون مصدر عنف، وقد وقّعنا اتفاق ترسيم الحدود لمنع الحرب.
وقال: الأموال التي ستصدر من الشركات ستعود للصندوق السيادي لعائدات النفط والغاز، ولا يوجد من يَمد يده على أمواله التي لا يمكن أن تضيع ولا يمكن لأحد الوصول إليها.
وأعلن عون ان «لا إرادة حالية بتشكيل الحكومة، وقلت لميقاتي في آخر زيارة له إلى بعبدا: «فينا نشَكّل حكومة من هلق لـ الليل»، لكنه ذهب ولم يعُد «بيكون راح يعمل كزدورة باليخت قبل ما يرجع».
وتابع: الحكومة الحالية لا تتمتّع بالثقة ولا يُمكنها أن تحكم. أنا على وشك توقيع مرسوم قبول استقالتها «ورح أعطيهم فرصة» حتى نهاية الولاية لتشكيل حكومة وفق معايير موحّدة ويكفي الحديث عبر الهاتف «وإذا باسيل مش مقتنع أنا بِقنعو».
وأضاف: خسرتُ من ولايتي حوالى ثلاث سنوات بسبب حكومات تصريف أعمال وهذا أمر مرفوض، وهناك خطأ كبير في عدم تحديد الفترة المسموح بها لرئيس الحكومة المكلف وبتأليف الحكومة.
وعن دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى حوار قال عون: يحقّ لبرّي أن «يتشاور» مع الكتل النيابية وليس أن «يدعو للحوار»، وحتى إن انتهت ولايتي الرئاسية فلا يحق له أن يحلّ مكان رئيس الجمهورية، و»بالحوار كلّن بيطلعو زعلانين من بعضن» والتشاور أفضل.
ميقاتي يرد على عون
ولم يتأخر الرئيس ميقاتي في الرد على عون، فقال: تابعتُ ما قاله فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون في حديثه التلفزيوني مساء اليوم، وأشاطر فخامته القول إن الدستور هو الحكَم والفصل في كل القضايا.
وأضاف: أما بشأن ما تحدث عنه فخامته من مسائل خاصة ووقائع مُجتزأة ومحرّفة او غير صحيحة، فأكتفي بالقول بأسف: أحياناً تخون كبارنا الذاكرة فتختلط الوقائع بالتمنيات والحقائق بالأوهام.
ما بعد اليأس بتشكيل حكومة
وعلى رغم الرهان الضعيف على حدوث خرق فوق الارادة بإمكانية تشكيل حكومة ضمن الايام الثلاثة المتبقية الّا ان الاجواء والسجال والتمترس خلف الشروط لا توحي بهذا الامر. وقد كشف مصدر حكومي لـ«الجمهورية» ان ميقاتي أعدّ «كل ما يلزم لتحصين حكومته بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية». وقال المصدر: ما بعد اليأس بتشكيل حكومة جديدة ليس دراماتيكياً على الاطلاق. فالدستور واضح والرئيس ميقاتي سينتقل الى الخطة ب، وبحسب الدستور سيتسلّم صلاحيات رئاسة الجمهورية وسيحكم وفق مقتضيات الدستور. لكن المصدر لم يخف التوجّس من بروز كباش سياسي دستوري غير مسبوق لن يكون مريحاً لعمل الحكومة.
وحول مقاطعة بعض الوزراء المقرّبين من رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، يضيف المصدر ان ميقاتي مُتنبّه لهذا الامر ولن يسمح له بتعطيل عمل الحكومة وجلسات مجلس الوزراء قائلاً: عندما نسأل رئيس الحكومة عن عقد الجلسات يرد: «بجَاوبكن بعد ٣١».
التوقيع
الى ذلك، وقّع لبنان واسرائيل رسمياً أمس اتفاق ترسيم الحدود البحرية بينهما. وسلّم الوفد اللبناني الموفدَ الرئاسي الاميركي اموس هوكشتاين في الناقورة رسالة موقّعة من رئيس الجمهورية، كما سلّم الوفد الاسرائيلي رسالتَه الموقّعة الى هوكشتاين في غرفة او خيمة منفصلة.
وكان أعضاء الوفد اللبناني قد وصلوا إلى الناقورة نحو الثالثة والدقيقة الـ 20 الى مقر «اليونيفيل» لتسليم الرسالة إلى هوكشتاين، وتسليم رسالة وقّعها وزير الخارجية عبدالله بوحبيب الى ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا، وتتضمّن تأكيد الإحداثيات المرتبطة بالحدود البحرية من اجل إيداعها الأمم المتحدة وفقاً للآليات المتّبعة في قانون البحار.
يذكر ان عملية التسليم تأخرت نحو ساعة بسبب طلب الوفد اللبناني ازالة خرق بحري اسرائيلي تزامَن مع موعد تسليم الرسائل.
وضمّ الوفد مدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير والعميد الركن منير شحادة مفوض الحكومة لدى القوات الدولية، وسام شباط عضو هيئة إدارة النفط وأحمد العرفة رئيس مركز الاستشارات القانونية.
وشاركت في المناسبة سفيرتا الولايات المتحدة وفرنسا دوروثي شيا وآن غريو وممثلة الامم المتحدة يوانا فرونتسكا.
وكان هوكشتاين قد جال على المسؤولين اللبنانيين حيث التقى الرئيس عون في بعبدا في حضور شيا ونائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب والوزير بوحبيب ومدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم، وسلّم عون الرسالة الاميركية الرسمية بالنسبة الى ما يتعلق بترسيم الحدود البحرية جنوباً. ووقّع عون رسالة تتضمن موافقة لبنان على محتوى الرسالة الأميركية.
بعد ذلك، ترأس عون اجتماعاً لأعضاء الوفد الى الناقورة وزوّدهم بتوجيهاته، كما استقبلهم بعد عودتهم الى بيروت.
وقال هوكشتاين: «المهمّ اليوم هو ما سيحصل بعد الاتفاق، وأعتقد أنه سيكون نقطة تحوّل اقتصاديّة للبنان ولنهوضه». وأشار الى ان توقيع الاتفاق من شأنه «إحداث الاستقرار في المنطقة»، وان الاتفاق سيسمح لشركة توتال ببدء العمل للتطوير والاستكشاف ولا شيء سيُعيق هذه الاعمال في لبنان ولا شيء سيأخذ عائدات النفط والغاز من اللبنانيين».
في السرايا
ثم انتقل الوسيط الاميركي الى السرايا حيث التقى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، وقال: «نأمل ان يكون ما تحقّق خطوة أساسية على طريق الافادة من ثروات لبنان من الغاز والنفط، بما يساهم في حل الازمات المالية والاقتصادية التي يمر بها لبنان، ويساعد الدولة اللبنانية على النهوض من جديد». واضاف: «انّ الاهتمام الشخصي للرئيس الاميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أعطى دفعاً لمسار جديد في المنطقة ولدعم لبنان لاستعادة عافيته الاقتصادية».
الرئيس بري داعم أساسي
بعدها زار هوكشتاين الرئيس بري في عين التينة وقال: أقدّر دائماً صدق الرئيس بري وصراحته وجهوده التي كانت حافزاً للوصول الى ما توصلنا اليه اليوم املاً ان يكون محفّزاً إيجابياً للبنانيين وللاقتصاد. وبرأيي ان هذا اليوم هو يوم تاريخي ويصبّ في مصلحة الشعب اللبناني كله بحيث يستطيع تطوير إقتصاد جديد يتميز بالانفتاح والشفافية حيث تعود منفعته وموارده لكل اللبنانيين.. وتابع: هذا الاتفاق هو بين دولتين ولا علاقة له بنتائج الانتخابات الاسرائيلية.
مصادقة الحكومة الاسرائيلية
من جهتها صادَقت الحكومة الإسرائيلية امس على اتفاق الترسيم، وأعلن مكتب رئيس وزراء اسرائيل يائير لبيد في رسالة قصيرة للصحافة، أنّ «الاتفاق البحري مع لبنان إنجاز دبلوماسي واقتصادي». وقال لابيد في مستهل اجتماع مجلس الوزراء «ان لبنان اعترف بدولة إسرائيل في اتفاق ترسيم الحدود البحرية. وهذا إنجاز سياسي، فليس كل يوم تعترف دولة مُعادية بدولة إسرائيل في اتفاق مكتوب أمام المجتمع الدولي بأسره».
بايدن يهنئ مجدداً
ولاحقاً، هنّأ الرئيس بايدن لبنان وإسرائیل على إبرامهما الاتفاق رسمیًا واعتبر أن «ھذه الاتفاقیة تقرّبنا خطوة واحدة من تحقیق رؤیة لشرق أوسط أكثر أماناً وتكاملاً وازدھاراً، ما سیوفّر منافع لكل شعوب المنطقة».
واصدر وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن بياناً هنأ فيه البلدين، وقال ان هذا «الانجاز التاريخيّ سيكون له تأثير عميق في تعزيز الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة، ويظهر القوة التحويلية للديبلوماسية الأميركية».
اضاف: هذه الاتفاقية تبرز بشكل ذي معنى رؤية الولايات المتحدة لشرق أوسط أكثر أمنًا وتكاملًا وازدهارًا، وبنفس القدر من الفائدة لكل من إسرائيل ولبنان، سوف تعزّز مصالح اسرائيل الاقتصادية والأمنية فيما تشجع الاستثمار الأجنبي الذي تشتد حاجة الشعب اللبناني إليه، في الوقت الذي يواجه فيه أزمة اقتصادية مدمّرة. سوف تتمكن المنطقة وما حولها قريباً من جَني فوائد موارد الطاقة هذه، التي ستدفع قدما الأمن والاستقرار والازدهار.
ترحيب فرنسي
واصدرت سفيرة فرنسا في لبنان، السيدة آن غريو، بياناً ترحيبياً معتبرة «انه إتفاق تاريخي وخطوة كبيرة نحو الأمام من أجل إستقرار المشرق، وهذه مسألة بالغة الأهمية بالنسبة إلى كافة بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، بما فيها فرنسا، ومن أجل أمن إسرائيل ولبنان، وهما دولتان صديقتان لفرنسا. وهو، إذ يسمح بإستثمار الموارد الغازيّة البحرية، سوف يساهم أيضاً في الإزدهار لصالح الشعبين اللبناني والإسرائيلي».
اضافت السفيرة الفرنسية «غير أنّ هذا الإتفاق لا يضع حدّاً للأزمة التي تعصف بشدّة بلبنان اليوم، فإستثمار الموارد النفطيّة على المدى المتوسط، علماً أنّ حجمها غير معروف اليوم، لا يكفي لمعالجة هذه الأزمة. وهذا الإتفاق لا يحلّ مكان الإصلاحات الإقتصادية والمالية الضرورية جداً ولا الاستقرار المؤسساتي الذي يتطلّبه الوضع اللبناني».
لا تغييب للجيش
وغرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على «تويتر»: «لماذا تغيب الجيش من ابرام الاتفاق حول الترسيم الذي يثبّت الهدنة ويؤكّدها. واين هي الشركة الوطنية للنفط واين هو الصندوق السيادي؟. ان تحركات المسؤولين في هذا الشأن تثير الريبة وكأن الموضوع هندسة مالية اضافية مصيرها الضياع والهدر».
غير ان مصادر مطلعة استغربت كلام جنبلاط وتحديداً ما سمّاه «تغييب الجيش» مؤكدة لـ»الجمهورية» ان «لا تغييب للجيش في مسألة الترسيم ولا مساومة من أي نوع كانت، وان الامر منوط بالسلطة السياسية وهي التي تأخرت في الطلب من قيادة الجيش مساء امس تسمية من تراه مناسباً للمشاركة في الوفد اللبناني، وهذا ما حصل اذ تم تكليف العميد شحادة بالمهمة».
القمة العربية
على صعيد اقليمي، تعقد القمة الأولى لـ«جامعة الدول العربية» منذ تفشي جائحة فيروس كورونا الاسبوع المقبل في الجزائر، في ظل شغور رئاسي وعدم وجود حكومة أصيلة في لبنان، الامر الذي سيفقد لبنان فرصة اضافية لمحاولة اقناع عدد من الدول العربية الشقيقة لإنهاء عزله وإعادة احتضانه للخروج من الجحيم. غير ان مصدراً دبلوماسياً رفيعاً استبعد الوصول الى أي قرار عربي في شأن لبنان اولاً بسبب الشغور واستمرار التهرّب من الاصلاحات. وثانياً بسبب الخلافات العربية – العربية على كثير من القضايا المطروحة، وقد تأكدت خلال انعقاد مجلس وزراء الخارجية في جامعة الدول العربية في أيلول الماضي في القاهرة. وثالثاً، بسبب غياب أكثر المؤثرين في القضية اللبنانية ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الجديد الأمير محمد بن سلمان عن القمة.
مغادرة عون
وبالنسبة الى اليوم الأخير من ولاية عون الرئاسية، قال المسؤول الاعلامي لرئاسة الجمهورية الزميل رفيق شلالا انّ المراسم الرسمية لمغادرة الرئيس عون قصر بعبدا ستبدأ الساعة 11 قبل ظهر الاحد المقبل، امّا المراسم الشعبية فستبدأ عند الـ11.30.