كتبت صحيفة النهار تقول: غموض كثيف جدّاً ساد أمس كلّ “محاور” الاستحقاقات اللبنانية بحيث بات من الصعوبة بمكان توقع أي حلحلة في أي منها في الأيام الفاصلة عن نهاية تشرين الأول التي تشكل نهاية العهد العوني. وإذا يبتعد الاستحقاقان الرئاسي والحكومي على نحو مقلق للغاية عن احتمالات انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية أو تذليل العراقيل التي يضعها العهد في طريق تشكيلة حكومية معدلة تعلن قبل نهاية العهد فإن مصير اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل لا يبدو أفضل، إذ مضت ثلاثة أيام منذ رفض إسرائيل التعديلات اللبنانية على الاتفاق الذي وضعه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين ولم يظهر واقعياً أي عامل إيجابي إلا إبراز الإرادة الأميركية في المضي في محاولة تعويم الاتفاق ومنع انهياره. ولكن الرهانات على إمكان إعادة تعويم الاتفاق وتمريره قبل بداية تشرين الثاني التي تشكل موعداً للانتخابات العامة في إسرائيل تضاءلت جداً وبات السؤال الملحّ الذي يطرح لدى الجميع هل سيعني تعليق الاتفاق أو سقوطه انفجار مواجهة بين إسرائيل و”حزب الله” أم أن هذا الخطر ليس حتمياً؟ في أي حال يمكن أن تتبلور وقائع كثيرة تكشف بعض التطورات الخفية والعلنية المتصلة بهذا الملف. وأمس استكمل الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين اتصالاته مع الجانب اللبناني لمناقشة الرد الإسرائيلي على الملاحظات اللبنانية. وأفادت المعلومات بأن لبنان تسلّم الملاحظات الإسرائيلية على العرض الأميركي وعلى الملاحظات اللبنانية وتتم مناقشة كل ما يدور في فلك هذا الاتفاق. وأشارت إلى أن الاتصالات نشطت أمس بين الوسيط الأميركي هوكشتاين وكل من الجانبين اللبناني والإسرائيلي من أجل معالجة ملاحظات كلّ منهما.
وبدا لافتاً دخول فرنسا على خط تطورات ملف الترسيم وذلك عشية زيارة ستقوم بها وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا لبيروت وتبدأ الخميس المقبل. إذ أكدت وزارة الخارجية الفرنسية أمس أن فرنسا تساهم بنشاط في الوساطة الأميركية الهادفة للتوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. ورأت أن الاتفاق سيعود بالنفع على البلدين وشعبيهما، كما من شأنه أن يسهم في استقرار وازدهار المنطقة. ودعت وزارة الخارجية الفرنسية جميع الجهات الفاعلة إلى القيام بدورها.
ونقل موقع “أكسيوس” عن مسؤول أميركي قوله: “أحرزنا تقدماً في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان”، وتحدث عن “تبادل مسوّدات جديدة لسد الفجوات باتفاق الحدود البحرية”.
وفي المقابل، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قوله مساء أمس إن “اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان جيد وآمل أن يتم توقيعه قريباً”. وأشار مجدداً إلى أن “اتفاق ترسيم الحدود البحرية يعزز الاستقرار الإقليمي ويقلص نفوذ إيران في لبنان”، موضحاً أنّ “الكرة في ملعب الجانب اللبناني”، وأضاف: “تقديري أنّ هناك احتمالاً للتّوقيع على الاتّفاق مع لبنان قريباً”.
وتابع: “إسرائيل مستعدة للتوصل إلى اتفاق وهي مصممة على حماية أصولها”. وإذ أعلن بدء “اختبار منصة حقل كاريش غداً في خطوة أخيرة على طريق إنتاج الغاز”، هدّد بأنّ “أي عمل تخريبي يقدم عليه (حزب الله) ضدّ حقل كاريش سيعود بالضرر على لبنان كله” وأن “الجيش الإسرائيلي مستعد لأي تصعيد”. ولفت إلى أن “(حزب الله) حاول أن يتحدّى منصة “كاريش” بواسطة قطع بحرية وليس فقط عبر إطلاق مسيّرات”. وإذ أكد أن المفاوضات مع لبنان مستمرّة، لفت إلى “أننا إذا أنجزنا اتّفاقاً فهذا جيّد لكل الأطراف ويساهم في استقرار المنطقة”، مضيفًا: “لقد أعطيت توجيهات للجيش للاستعداد للتصعيد في أعقاب تهديدات نصرالله. واضح للبنان أنه إذا هوجمنا لأيّ سبب فسيكون ردنا حازماً”. واستطرد: “أنا لا أريد أن أدخل الإسرائيليين تحت الضّغط والتّوجيهات هي للاستعداد للتّصعيد”.
وذكرت القناة الإسرائيلية أنّ القيادة الأمنية الإسرائيلية أجازت لشركة إنيرجي بدء فحص إمكانية تشغيل حقل كاريش.
المشهد الرئاسي
أما في المشهد الرئاسي فجاء تحرّك الجامعة العربية نحو بيروت ليبرز القلق من احتمالات الفراغ الرئاسي إذ أكدت الجامعة عبر مساعد أمينها العام حسام زكي “أن لبنان لا يتحمل حالة الاعتياد على الأزمة أو القبول بالفراغ الرئاسي في ضوء الأزمة الاقتصادية الشديدة التي يمر بها”، وناشد “القيادات السياسية تقديم المصلحة الوطنية والجلوس سوياً وفتح قنوات التشاور من أجل التوافق على هذا الاستحقاق الدستوري المهم”. ولفت زكي الى “أن ترف الوقت غير متوفر، والتعويل على الحلول الخارجية وحدها لن يسهم في حل الأزمة في ضوء التوتر الشديد على الساحة الدولية وتفاقم حدة الازمات العالمية”.
وفي إطار جهوده لرصّ الصف السنّي وتوحيد كلمته، جال السفير السعودي وليد بخاري أمس في طرابلس وزار نوابها وفاعلياتها، مشدّداً بعد زيارته النائب أشرف ريفي على “حرص المملكة على أمن واستقرار لبنان، خاصة المحبة العميقة التي يحملها الشعب السعودي إلى أهلنا في طرابلس والشمال. المملكة العربية السعودية تؤكد تغليب المصلحة العليا على المصالح المرحلية”، مضيفاً: “في هذه المرحلة لبنان مقبل على استحقاق رئاسي ونؤكّد أهمية احترام المهل الدستورية، وحرصنا على استقرار لبنان يحتم علينا أن نحمل هذه المسؤولية المشتركة باتجاه لبنان”. وشملت جولة البخاري النائبين كريم كبارة وطه ناجي والنائب التغييري رامي فنح، إضافة إلى رئيس تيار الكرامة” فيصل كرامي.
وشدّد في كلمة ألقاها خلال تلبيته دعوة إلى الغداء لدى رجل الأعمال محمد أديب على “حرص المملكة العربية السعودية على محور مهم جداً في مرتكزات السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية في الملف اللبناني، وخاصة أننا أكدنا للجميع بأن المملكة لن تتعاطى أو تدعم أي قوى سياسية منخرطة بالفساد السياسي أو المالي، نقطة على السطر”. وقال: “نأمل من الجميع أن يغلّبوا المصالح العامة على المصالح المرحلية، لبنان يعيش مرحلة انتقالية ويجب أن نتحمل مسؤولية مشتركة، الجميع والأفراد قبل الدول، ولكن الحلول يجب أن تنبع من الداخل اللبناني، فلذلك على الجميع أن يحدد الخيارات السياسية ويحدد أيضاً تحمل نتيجة تلك الخيارات حتى يقرأ المجتمع الدولي هذه المؤشرات بشكل إيجابي للتعاون والانطلاق والدعم المشترك المستقبلي”.
وعشية الجلسة الانتخابية في 13 تشرين الأول التقى أمس رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في معراب النائب غسان سكاف. وجدد جعجع في حديث صحافي تأكيد وجوب انتخاب رئيس جديد للجمهورية في جلسة 13 تشرين الأول، لكنه استبعد تحقيق ذلك “لأن فريق السلطة الحاكمة لا يريد الانتخابات حالياً في ظل عدم توافقه على اسم مرشح”. واستغرب “تصرّف بعض قوى المعارضة الذين لم يتخذوا قرارهم بعد ولم يتوّحدوا على مرشح واحد لأسباب نجهلها رغم ان هناك شخصية تنطبق عليها كل المواصفات المطروحة في وقت يدعون دائماً إلى إجراء الانتخابات قبل انتهاء المهلة الدستورية”. وإذ جدّد التأكيد أنّ “القوات” ستصوّت في الجلسة المقبلة لمرشّحها النهائي النائب ميشال معّوض، اعتبر جعجع أنّ “من يضع ورقة بيضاء أو أوراق ضائعة يساهم، ولو بنيّة غير سيئة، في تعطيل الاستحقاق الرئاسي، فيما نحن بأمس الحاجة إلى رئيس يملك مشروعاً واضحاً لقيادة العملية الإنقاذية”.
وعن إمكانية إيصال رئيس توافقي بين كل القوى، جزم أنه “من غير الممكن التوافق مع “التيار” و”حزب الله” على رئيس فكيف سيتم التفاهم ونحن لدينا طروحات مغايرة ومشاريع مختلفة، وبالتالي هذا الامر “لن يحدث” وفي حال حصل سنكون امام رئيس صوري “مش طالع منو شي”. وأضاف: “عبثا نضيّع الوقت في البحث عن حكومة في حين تفصلنا 3 اسابيع عن انتخاب رئيس جديد، من هنا تقع علينا مسؤولية كبيرة كمعارضة بكل اطيافها لتحقيق ذلك بما أن الفريق الآخر، الذي أوصلنا إلى هذه الحالة، يسعى إلى التعطيل”.