كتبت “الجمهورية” تقول: يبدأ لبنان اليوم اسبوعاً جديداً يُنتظر ان يكون اسبوعاً لترسيمين حدودي وحكومي بامتياز، بحيث سيتصدّر ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية أولوية الاهتمامات، مشفوعاً بإيجابيات وتفاءل حذر، لينصّب بعده الاهتمام بملف التأليف الحكومي الذي لا يمرّ يوم الّا وتبرز في وجهه عقبات جديدة تؤجّل إنجازه رغم دخوله في سباق مع الوقت حدّه قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في 31 من الجاري. وقال مرجع كبير لـ»الجمهورية»، انّ «الاولوية لدينا الآن هي لإنجاز الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية الذي نراهن عليه، ونبني للبدء بإخراج البلاد من الانهيار وفق الخطط التي وضعناها لهذه الغاية، وعبر استثمار لبنان لثروته النفطية والغازية». وتمنى ان ينتهي اللقاء الرئاسي في القصر الجمهوري اليوم إلى نتيجة حاسمة.
ورقة على طاولتين
بعد 48 ساعة على تسلّم لبنان الاقتراح الاميركي للاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، والذي صاغه الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين، ستحضر الأوراق العشر لهذا الاقتراح او مسودة الاتفاق، مترجمة إلى اللغة العربية، على طاولتي اجتماعين في قصر بعبدا، الاولى عند الاولى بعد الظهر للفريق التقني العسكري والمدني، قبل ان يجتمع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع رئيسي المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بناءً لدعوته للبحث في هذا الاقتراح وتحديد الموقف اللبناني الموحّد منه.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ «الجمهورية»، انّ الترجمة الحرفية للمقترح الاميركي أُنجزت، وانّ هناك مقارنة أُجريت للإحداثيات الجديدة التي حملها وتلك التي سبقتها وكانت في حوزة لبنان، بالإضافة إلى مصير «خط الطفافات» بحثاً عن اي تعديل يمكن ان يكون قد تغيّر بفعل المخاوف من الغام إسرائيلية قد تكون مزروعة في الطرح الجديد، قد تؤدي إلى ثغرات غير محسوبة في أي وقت لاحقاً إن تغيّرت الظروف.
وتوقفت المصادر امام التأكيدات الاميركية على حيادية الوسيط هوكشتاين الذي قدّم عرضه بإشارات تؤكّد انّه سعى إلى توفير الضمانات للطرفين، من خلال الإحاطة بالملف من كل الزوايا التقنية والقانونية، ولا سيما منها تلك التي تحميها القوانين الدولية، بالإضافة إلى الضمانات الاميركية التي توصل اليها هوكشتاين، من خلال الجهود التي بذلها في اكثر من مجال، ولا سيما منها تلك التي اجراها مع الشركة اليونانية «اينيرجين باور» مالكة منصّة السحب في حقل «كاريش» وشركة «توتال» الفرنسية التي لا تزال تحتفظ بالحق الحصري للاستكشاف في البلوك الرقم 9 حيث «حقل قانا» المفترض» بالشراكة التي تجمعها بالكونسورتيوم الثلاثي مع شركة «ايني» الايطالية» والدولة اللبنانية التي ستحلّ مكان الشركة الروسية «نوفاتيك» التي اعلنت انسحابها منه نهاية آب الماضي.
كيف سيُترجم الإتفاق؟
وإلى هذه الجوانب المتصلة بالاقتراح الجديد، من المفترض ان يتوصل اللقاء الموسّع في بعبدا إلى تحديد الآلية التي ستُعتمد للتعاطي مع المرحلة المقبلة، وإن كان لبنان سيصرّ على التعاطي مع الاتفاق عبر محطة المفاوضات في الناقورة او اختصار الطريق عبر اللجوء إلى ترجمة كل طرف من الطرفين الإتفاق الذي يمكن ان يتمّ التوصل اليه في نهاية المفاوضات الجارية، بمراسيم تحدّد الحدود النهائية للحدود البحرية والإحداثيات النهائية التي لا تُحدث اي ردّ فعل سلبي من اي من الجانبين وإيداعها الامم المتحدة.
ومن المتوقع ان يتخذ الرؤساء الثلاثة موقفا موحدا في شأن العرض الاميركي وعلى الارجح لن يعلن الجواب الرسمي اللبناني قبل ان يحسم الاسرائيلي موقفه ويعطي جوابه النهائي والمرجح بعد اجتماع «الكابينت» الاسرائيلي الخميس، بحسب ما اكدت مصادر متابعة للملف لـ»الجمهورية» مشيرة الى «ان السرعة مطلوبة لكن ليس استعجال اعلان الجواب». ولفتت المصادر الى ان النقاش يحصل في ربع الساعة الاخيرة حول آلية توقيع الاتفاق والتي يصر فيها لبنان على ان لا يكون طرفا مع الاسرئيلي في توقيع الورقة نفسها بل عبر ايداع ورقة له مستقلة عن ورقة اسرائيل يجمعهما طرف ثالث هو الامم المتحدة وان تكون الولايات المتحدة شاهدا على الاتفاق. ولم تستبعد المصادر ان يشكل اجتماع الرؤساء الثلاثة فرصة للحديث عن ملف تشكيل الحكومة وما وصلت اليه الامور
وفي هذا الاطار، لاحظ مراقبون، انّ بري كان قد اعلن عن اتفاق الإطار في 1/10/2020، وأنّ مسودة الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية وصلت إلى المسؤولين اللبنانيين في 1/10/2022.
وأبعد من الدلالة الرمزية لهذه المصادفة، نقل زوار عين التينة عن بري، انّه متفائل بحذر بعد اطلاعه على العرض الأميركي الرسمي، وذلك في انتظار حصيلة اجتماع اللجنة التقنية اليوم. واكّد انّه لا يعير أهمية لما صدر عن رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، الذي هدّد بالتنصل من الاتفاق المفترض في حال عودته إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية. وشدّد بري على «أنّ موازين القوى ستكون هي الضامنة لمثل هذا الاتفاق».
ما تضمنه اقتراح هوكشتاين
وفي انتظار أي خطوة تكشف عن تفاصيل الاقتراح الاميركي، فإنّ مصادر مختلفة تناولت ما تضمنه هذا الاقتراح. حيث اكّدت الاعتراف النهائي بمضمون الموقف اللبناني، فاعتُمد الخط 23 لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. ومنح لبنان ما يُعرف بـ «حقل قانا» النفطي، ولم يلحظ وجود منطقة أمنية بحرية عازلة، بعدما اعترض لبنان على المشروع الاسرائيلي الذي قال بتعديل النقطة البرية «B1»، وأجرى بذلك فصلاً نهائياً بين اي خطوة تتصل بترسيم الحدود البحرية أو تلك التي تتصل بالحدود البرية.
وفي الوقت الذي اصرّت بعض التسريبات الاسرائيلية على اقتراح بتعويضات مالية إلى الجانب الاسرائيلي عن محتوى «حقل قانا» قياساً على حجم وجوده في «البلوك 72» الاسرائيلي، لم يتحدث اي مرجع او مصدر لبناني عن مثل هذه التعويضات، لا بل فقد تحدثت عن حق لبنان بمخزون الحقل كاملاً
الموقف الاسرائيلي
في غضون ذلك، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، إلى أنّ «لبنان وإسرائيل وافقا خلال عطلة نهاية الأسبوع على اقتراح الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين»، وأوضح «أننا نجري مناقشات حول التفاصيل النهائية، لذلك ليس من الممكن بعد التهنئة على النهاية، لكن كما طلبنا من اليوم الأول، يحافظ الاقتراح على مصالح إسرائيل الأمنية والسياسية الكاملة، وكذلك مصالحنا الاقتصادية».
ولفت لابيد في بداية اجتماع الحكومة الاسرائيلية، إلى أنّ «إسرائيل تحاول الوصول إلى هذه الصفقة منذ أكثر من عشر سنوات. سيتمّ تعزيز أمن الشمال، وسيعمل جهاز الحفر في حقل كاريش وينتج الغاز، وستدخل الأموال إلى خزائن الدولة، ويضمن استقلال الطاقة لدينا»، وأردف أنّ «هذه صفقة تعزز الأمن والاقتصاد الإسرائيليين». واضاف: «ليس لدينا اعتراض على تطوير حقل غاز لبناني آخر، سنحصل منه بالطبع على العائدات التي نستحقها. مثل هذا المخزون سوف يُضعف اعتماد لبنان على إيران ويحدّ من «حزب الله» ويجلب الاستقرار الإقليمي»، وأكّد أنّ «عرض هوكشتاين الآن قيد المراجعة القانونية، بعد الانتهاء من المراجعة سنطرح القرار مع وزير الدفاع بيني غانتس ورئيس الوزراء نفتالي بينيت، وبالتنسيق مع المستشار القانوني للحكومة، لمناقشته والموافقة عليه».
نتنياهو
وفي المقابل، أشار نتنياهو، إلى أنّ لابيد «استسلم بشكل مخجل لتهديدات الامين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله. إنّه يمنح «حزب الله» أرضاً ذات سيادة لدولة إسرائيل مع حقل غاز ضخم يخصكم، مواطني إسرائيل». واعتبر «أنّ لابيد يفعل ذلك من دون مناقشة في الكنيست ومن دون استفتاء. ليس لدى لابيد تفويض لتسليم الأراضي السيادية لدولة معادية والأصول السيادية التي نمتلكها جميعًا». ولفت نتنياهو، إلى أنّه «إذا مرّ اتفاق ترسيم الحدود غير القانوني فلن نكون مجبرين به. في الأول من تشرين الثاني، سنعود إلى إسرائيل بقيادة قوية، قيادة ذات خبرة، ستحافظ على أمننا جميعًا».
وردّ لابيد، في تصريح على مواقع التّواصل الاجتماعي، على نتنياهو، قائلاً له: «نتنياهو، لقد فشلت لمدة 10 سنوات في محاولة تحقيق اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، على الأقل لا تضرّ بمصالح إسرائيل الأمنية وتساعد «حزب الله» برسائل غير مسؤولة».
الإعلام العبري
وأفاد الإعلام العبري أنّ اقتراح واشنطن النهائي الذي قدّمته لممثلي لبنان و»إسرائيل» حول ترسيم الحدود البحرية، يُعتبر حلاً وسطاً في شأن الخلاف البحري الممتد منذ سنوات بين بيروت وتل أبيب. وأوضحت القناة «I24» العبرية أنّه «من المتوقع أن يجتمع مجلس الوزراء السياسي والأمني المصغر الخميس المقبل، ويوافق على الاتفاقية».
الملف الحكومي
وعلى صعيد ملف التأليف الحكومي، عبّرت مصادر بعبدا عبر «الجمهورية» عن اعتقادها بأنّ الملف الحكومي سيحضر على طاولة اللقاء الرئاسي الثلاثي بعد ظهر اليوم، ولن يتجنّب المجتمعون طرح ما تمّ التوصل اليه في شأن تشكيل الحكومة الجديدة بعد جلسة انتخاب الرئيس الخميس الماضي من حيث انتهت المفاوضات قبل سفر ميقاتي إلى لندن ونيويورك.
وقالت مصادر مطلعة، انّ التغييرات في الحقائب الوزارية قد تتوسع إلى 5 ولن تقف عند استبدال وزيري الاقتصاد وشؤون المهجرين لتصل إلى 3 حقائب أخرى ستطاول وزارتي الشباب والرياضة، الشؤون الاجتماعية، وربما بلغت وزارة الخارجية والمغتربين.
التأليف حاصل
إلى ذلك، جزمت أوساط سياسية متابعة لعملية تأليف الحكومة، انّ التأليف سيحصل قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، ولكن التأخير متعمّد لثلاثة أسباب أساسية:
ـ السبب الأول، بهدف تقصير عمر الحكومة الجديدة بما لا يسمح للنائب جبران باسيل بانتزاع سلّة التعيينات التي يريدها.
ـ السبب الثاني، كون عامل الوقت يعمل ضد العهد، وعضّ الأصابع التفاوضي سيضطره إلى القبول بالسقف الحكومي الأدنى لا الأقصى.
ـ السبب الثالث، كناية عن رسالة سياسية موجّهة إلى العهد بأنّ صلاحيته انتهت، وأنّ التجاوب مع مساعي التأليف هو نزولاً عند رغبة «حزب الله» لا العهد.
واعتبرت هذه الأوساط انّ الجلسة الرئاسية الأولى أوصلت الجميع إلى إقتناع بأنّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية بالثلثين مستحيل، وانّ التوافق على رئيس ما زال متعذراً، ما يعني انّ الفراغ سيكون سيِّد الموقف، ولا خروج من هذا الفراغ سوى في حالات ثلاث:
الحالة الأولى، تراجع النائب باسيل عن ترشيحه أو نجاح الحزب في الاتفاق معه على ثمن تراجعه عن هذا الترشيح.
ـ الحالة الثانية، انزلاق البلاد إلى أحداث أو فوضى تحتِّم الذهاب إلى تسوية على غرار تسوية الدوحة، وتكون إحدى نتائجها اتفاق على سلة تشمل رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ومجلس الوزراء مجتمعًا.
ـ الحالة الثالثة، ارتفاع منسوب الضغوط المالية والشعبية والسياسية والدولية بسبب الفراغ، ودخول البلد في توترات أمنية متنقلة، والمخاوف من غياب القدرة على مواصلة ضبط الأوضاع، وبالتالي هذه العوامل وغيرها قد تدفع إلى تسريع التفاهم على انتخاب رئيس توافقي.
ورأت الأوساط نفسها، انّ التحدّي الأساس أمام جميع القوى السياسية يكمن في تقصير فترة الشغور، لأنّ أوضاع الناس لم تعد تحتمل هذا التأزُّم الذي يبدأ الخروج منه مع تشكيل سلطة جديدة تحوز على ثقة الرأي العام اللبناني والدولي، وما لم يتحقّق ذلك فيعني الانزلاق إلى مزيد من الانهيارات، لأنّ الفراغ لن يكون على البارد، إنما سيشهد ارتفاعاً في منسوب التسخين السياسي الذي يعتبره البعض ممراً لتسجيل النقاط الرئاسية.
واعتبرت الأوساط، انّ أولوية العهد في أيامه الأخيرة ليس الذهاب إلى انتخابات رئاسية غير مضمونة ولا بل هناك استحالة لانتخاب خلفه باسيل، إنما وضع كل الجهود على ملفي تأليف الحكومة من أجل ان تكون منصة سلطوية متقدّمة للعهد في مرحلة الفراغ، وإنجاز الترسيم والتعامل معه كإنجاز للعهد.
جلستان للانتخاب والتشريع
على صعيد آخر، توقعت اوساط مطلعة ان يدعو بري إلى جلستين نيابيتين حتى 15 تشرين الأول الحالي، واحدة تشريعية لاستكمال إقرار بعض القوانين الإصلاحية، وأخرى لانتخاب رئيس الجمهورية. فيما نُقل عن رئيس المجلس تشديده على انّ ربطه بين التوافق وجلسة الانتخاب الجديدة انما أتى في سياق الحض الحثيث للنواب على التوافق الذي هو غير الإجماع.
كذلك يأمل بري في الدعوة إلى جلسة لمنح الثقة إلى الحكومة الأصيلة بعد 15 الجاري، في إشارة الى احتمال ان تتمّ ولادتها قريباً.
موفدة فرنسية في بيروت
على صعيد آخر، علمت «الجمهورية» من مصادر ديبلوماسية فرنسية واوروبية، انّ موفدة فرنسية وصلت إلى بيروت في الساعات القليلة الماضية (مديرة شمال افريقيا والشرق الاوسط في وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية آن غيغان «ANNE GUEGUENE») على رأس وفد ديبلوماسي واداري.
وفي المعلومات، انّ الوفد الفرنسي يبدأ زيارته الرسمية اليوم من قصر بعبدا حيث يلتقي الرئيس عون قبل جولة على رئيسي مجلس النواب والحكومة لتزور وزير الخارجية عبد الله بو حبيب عند الثالثة والنصف من بعد ظهر اليوم.