Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

كوناكري: انقلاب «دومبويا» على «كوندي»والصراع الدولي على الثروات…

} د. علي سيّد
كان وصول «ألفا كوندي» عام 2010 إلى الحكم في انتخاباتٍ وُصِفَت بالتنافسية انتصاراً للديمقراطية، وإحياءً لتطلعات الغينيين في تحقيق التنمية والرفاه، بعد أن باتوا من أفقر الشعوب في واحدةٍ من أغنى الدول الإفريقية بالموارد والثروات الطبيعية. غير أنّ أداء «كوندي» جاء مخيّباً للآمال، وقبيل انتهاء ولايته الثانية مرَّر تعديلاً دستوريّاً يُمكّنه من الترشح لولاية ثالثة، وترشَّح بالفعل وفاز بالانتخابات، وقد رافقت ذلك كله احتجاجات وأعمال عنف واسعة النطاق راح ضحيتها قتلى وجرحى ومعتقلون، وفي ظلّ قبضة أمنية قمعية كاد الأمر أن يستتبّ لـ «كوندي».

وقبيل أن يُتمّ «كوندي» عامه الأول في ولايته الثالثة انقلب عليه واعتقله «ممادي دومبويا» قائد وحدة النُّخبة ضمن القوات الخاصة الغينية، وأعلن حلّ المؤسسات، وتعطيل العمل بالدستور، وتشكيل لجنة رئاسية برئاسته أطلق عليها «اللجنة الوطنية للمصالحة والتنمية»، وقد ساق «دومبويا» أسباباً تدعوه للقيام بهذا الانقلاب، أبرزها حسب تعبيره: «الوضع السياسي الرهيب لبلدنا، واستغلال القضاء، وعدم احترام مبادئ الديمقراطية، والتسييس الشديد للإدارة العامة، فضلاً عن الفقر والفساد»، وقال: «إننا لن نعهد بالسياسة إلى رجل واحد مجدداً، فسوف نعهد بها إلى الشعب، ومن أجل ذلك فقط أتينا».

انّ للحقيقة وجهاً آخر أمسك عنه أطراف الانقلاب حتى الآن، وهنا يثور تساؤل غاية في الأهمية تتغيّر باختلاف الإجابة عنه استراتيجية التعامل مع القضية، ألا وهو: لماذا انقلب «دومبويا» على «كوندي»؟

1 ـ السياق الاستعماري ودلالاته
ظلت أراضي غينيا الحالية تحت الحماية ثم الاستعمار الفرنسي لأكثر من 170 سنة انتهت بالاستقلال رسميّاً عن فرنسا عام 1958، غير أنّ الواقع ينبئ بأن الاستعمار لم ينتهِ ليس في غينيا فحسب إنما في العالم أجمع، وأنّ القوى الاستعمارية وإنْ تخلَّت عن الاستعمار العسكري التقليدي فإنها لم ولن تتخلى عن الاستعمار بأشكال جديدة ومتجددة. ومن ثم يعدّ السياق الاستعماري التاريخي لغينيا مؤشراً أوليّاً قويّاً على أنه لفرنسا مصالح حيوية كبيرة في غينيا لم ولن تتخلى عنها، بل تسعى إلى حمايتها وتعظيمها وعدم مزاحمتها فيها.

2 ـ السياق السياسي ودلالاته
تشهد غينيا اضطرابات سياسية بدأت مع التعديلات الدستورية التي تتيح لـ «كوندي» الترشح لولاية رئاسية ثالثة ثم ترشحه لها وفوزه بها، غير أنّ الديناميات السياسية المصاحبة لهذه العملية تنبئ بأنّ هذه الاضطرابات تدرّجت من الهدوء النسبي إلى الشدة، ثم بدأت في العودة إلى الهدوء النسبي إلى ما قبل انقلاب «دومبويا»، بما مفاده أنّ تلك الاضطرابات لم تكن سبباً رئيسيّاً للانقلاب، وإلا لكان الانقلاب قد تمّ في أوْج شدة هذه الاضطرابات بالتزامن مع تمرير الاستفتاء الدستوري أو بالتزامن مع إعلان فوز «كوندي» بالانتخابات الرئاسية، وبناء على ذلك فإنّ تراخي الانقلاب لما يقارب 10 أشهر بعد إعلان فوز كوندي بولايته الثالثة وتحقق حالة من الهدوء السياسي النسبي يُعد مؤشراً قويّاً على أنّ الاضطرابات السياسية لم تكن سبباً رئيسيّاً لانقلاب «دومبويا» على «كوندي».

3 ـ السياق الاقتصادي ودلالاته
يُعدّ الغينيون من أفقر شعوب العالم، فدولتهم تحتلّ المركز الـ 175 من أصل 189 دولة تمّ تقييمها بواسطة تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة؛ حيث يعيش نسبة كبيرة جدّاً من الغينيين (70,3٪) تحت خط الفقر. وفي ذات الوقت تمتلك غينيا قدراً هائلاً من الثروات والموارد الطبيعية، فتشير التقديرات إلى أنّ احتياطيات غينيا من البوكسيت تصل إلى 25 مليار طن متري، وهو ما يقرب من نصف إجمالي احتياطي البوكسيت في العالم، كما تمتلك غينيا احتياطيات ضخمة من خام الحديد عالي الجودة يبلغ مجموعها 4 مليارات طن على الأقلّ تشمل رواسب معدنية مهمة أخرى، كما تمتلك رواسب كبيرة من اليورانيوم والماس والذهب، والنفط وكميات لا بأس بها من رواسب الإسمنت والنيكل والمنغنيز، وتقدّر احتياطيات غينيا من الماس بحوالي 40 مليون قيراط، أما احتياطيات الذهب وإنْ لم تكن مقدَّرة إلا أنّ غينيا أنتجت في عام 2011 حوالي 16 ألف كيلو غراماً من الذهب، ويشجّع على التعدين والتصنيع المتصل بهذه الموارد وفرة الأنهار التي تساعد على إنتاج الطاقة الكهرومائية، وهو ما جعل غينيا مطمعاً للشركات الدولية الكبرى وساحة صراع دولي من أجل الاستحواذ على هذه الثروات.

وبتدقيق النظر في السياسات الاقتصادية التي اتبعها «كوندي» منذ أن تولى الحكم في عام 2010 وحتى الآن، وبخاصة في ما يتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر والشركاء التجاريين نجد أنّ توجهات «كوندي» شرقية لا غربية؛ حيث حظيت الصين يليها روسيا خلال رئاسة «كوندي» بالنصيب الأكبر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبخاصة في مجال التعدين، ومؤخراً تمّ تمديد عقود بعض الشركات الصينية والروسية إلى عام 2050، حيث تشارك 14 شركة صينية ما بين مملوكة للدولة وخاصة في تعدين البوكسيت في غينيا، كما استثمرت الشركات الصينية بموجب اتفاقية موقَّعة في يونيو عام 2020 قيمتها 14 مليار دولار في تعدين خام الحديد عالي الجودة في مشروعين في جبال «سيماندو» جنوب شرقي غينيا، كما دخلت شركة روسال الروسية كمستثمر رئيس أيضاً في تعدين البوكسيت وتصنيعه.

وبهذا تكون الصين وروسيا قد سحبتا البساط من تحت أقدام فرنسا التي كانت المستثمر الأجنبي الأكبر والشريك التجاري الأول لغينيا منذ استعمارها وحتى إلى أول عهد «كوندي»، كما أثر ذلك أيضاً سلباً على استثمارات الولايات المتحدة في غينيا وعلى وارداتها منها، فقد تضاعفت صادرات غينيا إلى الصين فيما تقلَّصت صادراتها إلى فرنسا والولايات المتحدة الأميركية في عهد «كوندي» مقارنة بما قبله.

كما يتضح أيضاً أنّ الصين تُعدّ المتضرّر الأكبر من إطاحة «كوندي»، وليس أدلّ على ذلك من خروج الصين ولأول مرة بهذه السرعة والحدّة على مبدأ عدم التدخل في الشؤون السياسية للدول الذي تتبعه عادةً في سياساتها الخارجية؛ حيث أدانت الانقلاب على الرئيس «كوندي» بل وطالبت بإطلاق سراحه، وقد حذت روسيا حذوها، وهو ما ينبئ بأنّ إطاحة «كوندي» كانت بمثابة ضربة مؤلمة للصين وروسيا.

أخيراً، انّ الانقلاب الغيني يرجع في المقام الأول إلى أطراف خارجية تأثرت مصالحها الحيوية في غينيا سلباً بانحياز «كوندي» إلى المعسكر الشرقي فسعت إلى حماية وتعظيم هذه المصالح، وأنّ هذه الأطراف دبّرت الانقلاب وخططت له مستغلةً في ذلك الأطماع الشخصية لبعض الأطراف الداخلية في إزاحة «كوندي» عن السلطة.